آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

الوجاهة.. واختطاف العمل الاجتماعي «2»

سامي آل مرزوق *

لا يختلف اثنان أن العمل الاجتماعي التطوعي يجلب السعادة الحقيقية للإنسان أكثر من أي عمل آخر، فهو يُفَتح العقول والقلوب، ومُحركً قوي لجميع أحاسيسنا المختلفة، كونه يُساعد ويُساهم في التعرف على البيئات المختلفة، لذا تجد ابناء المجتمعات المتقدمة، المنخرطة بالعمل التطوعي يتسابقون عليه طواعياً، وبمختلف الأطياف والأعمار، وتُساهم فيه كذلك الكثير من الشركات بتشجيع موظفيها على المشاركة، وبذلك نشأت رابطة عاطفية قوية بين نوع العمل والمتطوع، ناهيك عن الشعور الداخلي بالرضا النفسي اتجاه مساعدة الآخرين مادياً أو معنوياً، حيث يعود ذلك بالنفع على نفسه أكثر من المستفيدين، مما يجعله أكثر انطلاقاً اجتماعياً، وحباً للناس واكتساباً للمهارات والخبرة بالمجال الاجتماعي التطوعي، فكُلما بذل من عمل لإسعاد الآخرين، أنعكس عليه هو أيضاً بالسعادة والغبطة.

هي عملية تبادلية، وعمل جماعي تتبادل به الخبرات وتُختصر فيه المسافات فعندما يعمل الفريق بيدٍ واحدة وعلى قلبٍ واحد، يكونوا أقدر على تحقيق الأهداف بجدارة وبالجودة المرجوة، ولا يأتي النجاح بهذه الأعمال إلا بتنازل الأفراد المشاركين لبعضهم بعض، عن مجموعة الأفكار الغير صائبة المبنية على أراء فردية بحته.

فمن المشهد العام للعمل الاجتماعي المتجلي أمام الجميع، قد نجده مقتصرً على فئات محددة أو مؤسسات بعينها أو أفراد مخصصين، عملت خلال سنوات على احتكاره والتحكم به بشكل واضح للعيان، وتعَمدت توجيه الرأي العام حسب المُبتغى الشخصي الإيديولوجي لها، وحيثما ارتأت وبالوقت والزمان الذي تريد، وبمسميات مختلفة ومتعددة رنانة، لها وقعها البالغ في المجتمعات المتعطشةُ للثقافة والفن والتراث، كونها الطريقة المثلى للوصول السريع لقلوب البيوتات واقتحام المجتمعات، مما سيُعبد ويمهد لها طريق الشهرة المنتظره، وحب الظهور، والانفراد بالمشهد الاجتماعي، مستغلةً بذلك وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بإشكاله المختلفة، وهي بواقع الحال والظاهر مهمة ومفيدة للمجتمع، للوصول به لقمة التمدن والرقي الإنساني المجتمعي، إلا أن باطنها يختلف، فالقريبون منها والمراقبون يُدركون وبلا ادنى شك أنهم يعملون كفريقين، فريق يعمل لأجل العمل كعمل اجتماعي لله وللوطن، وهم ذو أهداف سامية ونبيلة، وفريق آخر متواري وراء طموحاته الشخصية وأهدافه النفعية الوصولية، كالبروز الاجتماعي والسيطرة والبرستيج والوجاهة، متظاهراً بالبساطة والحبية لخداع الجمهور، متسلحاً بالماكينة الإعلامية لإيصاله لمايريد.

أن بروز أو وصول الوصوليين النفعيين للمراكز الاجتماعية المختلفة بمجتمعاتنا، وتأملاتها الحثيثة للتبوء والتربع على قمة العمل والمصلحة الشخصية، على أكتاف شبابنا الطموح التواق للعمل الاجتماعي، لهو من الأمراض المزمنة، في الكثير من الميادين والساحات الاجتماعية، فلكلً له أهدافه وإستراتيجياته، وشتان بين الأهداف النبيلة، الصادقة، الهادفة، التي يسعى المتطوعين المخلصين لتحقيقها، وبين هذه الحِفنة الطُفيلية التي ترتقي على أكتافهم وأكتاف الآخرين.

أن الموروث الشعبي لأي شعب من الشعوب هو علامته المميزة الفارقة، وهو ما يميزه عن باقي المجتمعات، وبه تتشكل هويته الخاصة، فهو جل ما ورثه من الأسلاف، جيلاً بعد جيل وحضارة بعد حضارة، والحفاظ عليه من أولى الأولويات، وهي مسئولية الجميع بالمجتمع بجميع مكوناته وليس منوط بفئة تسيره لأغراضها المريضة.

خلاصة القول أن مجتمعنا بحاجة لكوادر من الشباب المعطاء، لا لشخصيات هَرِمة ووصولية، أصحاب مصالح ورؤى ضيقة، مرهونة لأهوائها وتبعيتها وشهواتها، لا تقوى لا على الإبداع ولا على الابتكار، كما أن إشراك الشباب وفتح المجال لقدراتهم وطاقاتهم يعمل لرفع مهاراتهم العلمية والعملية وتطوير لخبراتهم المهنية والروتين المهني والمبادرة الذاتية، فهو نوع من أنواع الاستثمار الاجتماعي وتقوية للانتماء الوطني.