آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

لماذا أكتب؟

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

ثمة رأي أكثر تشاؤمًا من حدوث تغيير إيجابي على مستوى الفكر والسلوك، يرى أنَّ الكتابة - عمومًا - وفي محيطنا العربي والإسلامي - بوجه خاص - وبما تتضمن من محاولات للارتقاء بالإنسان، هي نوع من العبثية التي غالبًا ما لا يكون لها أثر ملموس على أحد.

هكذا يرث الإنسان قناعاته من والديه، وهكذا تمنحه البيئة ما يشبه الحصانة والتبرير لكل ثقافاته وأدبياته السائدة حتى الخاطئة منها، كل ذلك بعدما أشبعته بروح القداسة التي تضع الكثير من الخطوط الحمراء على أي مشروع نقدي أو حتى تأملي لتلك الموروثات، وبذلك فإنَّ مشروع تغيير الإنسان في هكذا ظرف يواجهه هذا الإنسان في الغالب بالأنفة والرفض وربما العداء.

ثمة من يخالف هكذا رأي ليقول: إن القناعات هي في حقيقتها أمورٌ غير إرادية، يعني ذلك أن الإنسان حينما يستمع لشيء منطقي ضمن حدود فهمه فإنَّه يقتنع به قسرًا، إبداء القناعة من عدمها هي الأمر الإرادي، وعليه فإن كل أمر منطقي يستمع إليه الإنسان أو يقرأه يسهم في بناء وتشكيل وعيه ويرتقي به، شاء هذا الإنسان أو أبى.

شخصيًا، أميل لهذا الرأي وأتفق حول «لا إرادية» القناعة، وتصحبني الذكريات إلى شواهد لهذا الأمر، حينما وجدت من يكرر حججًا منطقية مدونة في مقالات متداولة في تلك الفترة دون أن يشعر، فكأنما تحولت تلك الحجج إلى أجزاء مترسخة في ذهنه، لا يملك إلا أن يجترَّها من جديد متى ما دعا الظرف.

لذا فإن الإعلام - بشكل عام - هو بلا شك صاحب دور مهم في بناء مجموعة الأخلاق والقيم، التي ينبغي أن يتحلى بها المجتمع، وكلما ارتقى الإعلام في طرحه ارتقى الإنسان بوعيه، وما يمكن أن يلاحظه البعض من عدم وجود تغير سريع في نمط السلوك، لا يعود بالضرورة لعدم إدراك الخطأ من الصواب، بقدر ما يعود إلى غياب القانون الضابط والذي يتسبب في جعل الملتزم بالنظام غير قادر على تحقيق ما يسعى له في الظروف الطبيعية، فيميل إلى عدم الانضباط السلوكي لتحقيق ما يريد.

لماذا أكتب؟ أكتب وكلَّي أمل أن تمتلك حروفي قيمة منطقية تسهم في تشكيل المزيد من الوعي، الذي يجعل القارئ الكريم ينظر إلى الأمور ويحللها بطريقة صحيحة، أكتب لكي أُسهم في إعادة تشكيل المقدمات المنطقية التي أرى أن القارئ الكريم ينبغي أن ينطلق منها في التفكير، وأكتب لكي أصل بحروفي لمتخذ قرار يملك من القدرة والنفوذ ما يمكنه من تصحيح موارد خلل قد لا تكون بالضرورة واضحة إليه، وكل ذلك إيمان ويقين مني أن القناعات «لا إرادية» متى ما امتلك الكاتب الأدلة والبراهين العقلية والمنطقية المؤثرة لترسيخها في الذهن.