آخر تحديث: 14 / 11 / 2024م - 9:30 ص

التغيرات المناخية وتأثيرها على غذائنا

محمد محفوظ *

التغيرات المناخية تعد أحد أهم المشاكل التي تعتري البشرية بالعصر الحديث إن لم تكن أهمها، تتقاذف هذه المشكلة قوى سياسية وإقتصادية عالمية وكلٌ له أجندة خاصة تساهم بدعم أفكار ومفاهيم ورؤى معينة لمؤسسات عملاقة تتحكم بالاقتصاد العالمي من خلف ستائر معتمة، إلى درجة حدت البعض بإيهام المتلقي بأننا بني البشر من تسبب بهذا التغير المناخي وأننا سنتسبب بدمار كوكبنا إن لم نستمع لنصائحهم والاستراتيجية التي خطوها لإنقاذ كوكب الأرض! هؤلاء للأسف يعتمدون على صورة راسخة بأدمغتهم ترسم الأجيال الحالية بالغباء والكسل، فمن ذا الذي سيقرأ ليجادل وهل هنالك من يقرأ بهذا العصر على أية حال؟

هؤلاء أنفسهم سيسيئهم أن تعرف بأن التغير المناخي هو جزء لا يتجزأ من دائرة الحياة على كوكب الأرض، وسيسيئهم أكثر بأن تعرف أن كوكبنا قد مر بالفعل بأكثر من تغير مناخي وإلا لما دخلنا عدد من العصور الجليدية ولما ذاب كل ذلك الجليد ليعود الكوكب الأزرق مشعاً أخاذاً كما كان ولتستمر دائرة الحياة، أي نعم يتسبب الإنسان يومياً بزيادة نسبة الغازات المضرة ومنها بلا شك ثاني أكسيد الكربون مما يتسبب بالتلوث البيئي الذي نسمع عنه ونتعايش معه بشكل يومي وهو أمر يجب أن نتصدى له جميعاً، ولكن ربط التلوث البيئي بالتغير المناخي على المدى الطويل يعد أمر مضحك وغير دقيق علمياً على الإطلاق، فإن كان الإنسان هو المتسبب بالتغير المناخي فمن يا ترى تسبب بالتغيرات المناخية التي أثبت العلم أنها تحدث بشكل منتظم منذ ملايين السنين؟

المناخ يحكم بشكل دقيق ومنظم أنماط توزيع ووفرة النباتات والحيوانات والمخلوقات الدقيقة على كوكب الأرض، معظم أصناف المخلوقات تمتلك قدرة تحمل محدودة لا تستطيع تجاوزها، وجميع هذه المخلوقات الحية تلعب أدوار أساسية محددة لها بنطاق نظامها البيئي، وترتبط أصناف المخلوقات ببعضها البعض باستخدامها المشترك للطاقة ودائرة العناصر الغذائية بذلك النظام.

وتشير الدراسات إلى أن بعض الزواحف على سبيل المثال غيرت من خصائصها الحيوية لتتكيف مع التغيرات المناخية التي عصفت بالعصر الميوسيني قبل ما يقارب العشرين مليون سنة، وذات التغير طرأ على بعض أنواع الطيور إثر تغيرات مناخية مماثلة بالعصر البليوسيني قبل ما يقارب المليونين سنة، مخلوقات أخرى انقرضت إلى الأبد لأن التغير البيئي المفاجيء فاق قدرتها على التكيف ولأن نظامها البيئي فشل بتوفير الحماية والغذاء اللازمين للبقاء والصمود والتكيف مع تلك التغيرات.

درجة الحرارة على كوكب الأرض ارتفعت بمقدار 0,8 خلال المئة سنة السابقة، هذا الارتفاع الملحوظ بدرجات الحرارة تعرض له كوكبنا من قبل، فمثلاً قبل حوالي 90 مليون سنة كانت درجات الحرارة أشد بمقدار 6 إلى 8 درجات مئوية، وعلى مدار التاريخ كان هنالك دائماً قانون موحد إتبعته معظم الكائنات الحية بشكل لا إرادي، عندما ترتفع درجات الحرارة بذلك المقدار سيتوجب على تلك الكائنات أن تنتقل لمناطق أقل حرارة أو أن تتكيف مع الحرارة بتغيير بعض خصائصها أو أن تفارق الحياة.

كل هذه الحقائق السابق ذكرها تقودني لدراسة نشرت مؤخراً لعدد من الباحثين من جامعتي واشنطن وكولورادو الأمريكيتين، تتمحور الدراسة حول التغيرات المناخية التي يتعرض لها كوكبنا حالياً وتأثيرها المباشر على المحاصيل الزراعية وهو الأمر الذي قد يتسبب بنقص حاد بالمحاصيل الغذائية لملايين من البشر حول العالم، هذه التغيرات وبالأخص الارتفاع بدرجات الحرارة ستتسبب بارتفاع نسبة الحشرات بشكل ملحوظ مما يعني بالضرورة تضرر المحاصيل الزراعية حول العالم، الدراسة وجدت بأن عائدات محاصيل الرز والقمح والذرة حول العالم ستتأثر بمقدار 10٪ إلى 25٪ مع كل ارتفاع بمقدار درجة مئوية واحدة وهو ما يشكل خطر محدق بالبشر على اعتبار أن محاصيل الرز والذرة فقط تشكل 42٪ من السعرات الحرارية التي يتم استهلاكها حول العالم، التأثير الأكبر ستتعرض له محاصيل القمح والذرة بالمناطق المعتدلة مناخياً مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا، بينما لن تتأثر محاصيل الرز بذات الدرجة على إعتبار أنها تتواجد بمناطق ذات حرارة مرتفعة على أية حال، هذا طبعاً بالإضافة لعوامل أخرى قد تتسبب بدمار المحاصيل الزراعية بشكل أسرع مثل الجفاف والحرائق.

أهمية المحاصيل الزراعية لا تكمن فقط بكونها جزء من دائرة تغذية الإنسان بل بكونها جزء من دائرة الحياة بشكل عام، ولا يجب أن نهضم حق الحيوانات من هذا الجانب لأنها تعتمد بنسبة كبيرة بتغذيتها على هذه المحاصيل، أي أن النقص بالمحاصيل سيتسبب بنقص الحيوانات التي يعتمد عليها الإنسان لاستمداد البروتين، ومن هذا الجانب سيتعين على المؤسسات العملاقة والحكومات حول العالم أن تتخذ خطوات جريئة للتكيف مع واقع كوكبنا اليوم، أما نحن بالشرق الأوسط وبسبب درجات الحرارة المرتفعة جداً مقارنة ببقية أنحاء العالم فيجب علينا أن نقود جهود التكيف مع التغيرات المناخية بأسرع وقت ممكن لنقلل من الأضرار التي قد تلحق بالمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية بالمنطقة مما قد يتسبب بارتفاع سريع ومبالغ به بأسعار المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان واللحوم بالمستقبل.

أعجبتني كثيراً حكومة دبي بالفترة الماضية بعد إعتمادها إنشاء عدد كبير من المزارع العمودية أو ما يسمى ب vertical farms، هذه المزارع تعد حل مباشر ومضمون أمام ارتفاع درجات الحرارة والجفاف بالمنطقة، لتغذي النباتات بالضوء تعتمد هذه المزارع على تقنية ال LED كما أنها تستخدم ماء أقل بنسبة 99٪ من المحاصيل الزراعية الأخرى، وبذلك ينتج عنها محاصيل صحية ذات جودة عالية وبشكل منتظم بخلاف المزارع المعتادة التي تتعرض لعوامل طقس متغيرة قد تتسبب بخسائر كبيرة بالمحصول العام، هذه التقنية تعد حل سريع وفعال للمشاكل التي قد تواجهنا بالسنوات ال 50 القادمة بسبب تقلبات الجو وارتفاع درجات الحرارة وبالتالي علينا جميعاً أن نبارك مثل هذه الخطوات وأن نحث الشركات المهتمة بالقطاع الخاص على تبني الفكرة على نطاق واسع لنحقق الهدف المنشود وهو ضمان آلية واضحة للحفاظ على دائرة التغذية لنتكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة مع تفادي الأضرار التابعة لها بنسبة كبيرة.

التغير المناخي واقع لا مفر منه، دعونا نتكيف مع هذه التغيرات لنضمن مستقبل الأجيال القادمة.

متخصص بالإدارة و التسويق و التجارة الإلكترونية، أرى هذا العالم بمنظور خاص قد يكون مختلف بشكل نسبي عمّن حولي، لي إهتمامات كثيرة من بينها علاقات الدول السياسية الإقتصادية، التغيرات المناخية و تأثيرها على الإقتصاد العالمي و التوعية البيئية.