آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

وابتدأت ليلة القدر

فؤاد الحمود *

رفع الأعمال وقبول الطاعات وعتق الرقاب من النار كلها مؤشرات لليلة عظيمة وصفها الله بأنها خير من ألف شهر.

وقد وفق المؤمنون بمعونة الباري إلى أداء هذه الليلة على اختلاف طرق وأدوات العمل بها؛ فالدعاء والصلاة والمناجاة وتعلم المعارف الإلهية ومد يد العون للمعسرين والمحتاجين وإبراء الذمم للإخوان؛ كلها وسائل وسبل لتحقيق معنى التوفيق والعبادة.

وإن كان ليس المطلوب من الإنسان التركيز على كميّة الأداء بمقدار ما هو الكيف الذي له الأثر الأبلغ في حياته.

ومما لا اشكال فيه أن المؤمن قد حصل على مكتسبات كثيرة سواء كانت علمية أو روحية أو اجتماعية؛ إلا أنها تنصب ضمن حصوله على باب من أبواب التغيير والتطوير للنفس؛ لعلم الإنسان أن من تساوى يوماه فهو مغبون.

ومن أهم المكتسبات تغيير نمط الحياة أو جزء منها بتغيير السلوك، كما أن نفس الحضور الجماعي لأداء الأعمال والجلوس لفترات طويلة هو مؤشر ورسالة له أنه قادر على أداء الأعمال الكثيرة وبروح عالية متى ما حصل له الاقتناع أن لهذه الليلة الأثر البالغ في هندسة حياته المستقبلية، سواء على صعيد ما كتب له من آجال وسعادة ولعلها بداية المشوار.

وهنا يطرح السؤال الأهم:

هل سيستمر العطاء أم سيحرقه ويعود للمربع الأول؟

المؤمن بعد ليلة القدر هو صفحة بيضاء وأرض خصبة؛ ويخطئ من يعتقد أن ليلة القدر انتهت مع مطلع الفجر؛ فالكثير من الروايات تخبر أن نهار ليلة القدر كليلته من العظمة والشأن؛ وتحث على الاستمرار في الأعمال؛ أي أن ليلة القدر هي محطة الانطلاق إلى عوالم القرب الإلهي.

ولأن ليلة القدر هي ليلة تحقق المطالب التي تتشعب بين المطالب الدنيوية والأخروية لذا لا بد من العمل الجاد على تأكيد المطالب والسعي الحثيث لتأكيد أن ما قمنا به ودعونا به وطلبناه هو رغبة أكيدة وليس مجرد لقلقة لسان تنتهي مع انتهاء ذلك اليوم.

وليكن ما بعد ليلة القدر مختلف عما قبله مصداقاً لكلام الإمام ”واستفرغ أيامي فيما خلقتني له“؛ فبناء النفس والتفكير في الله هي أعظم ما يحصل عليه المؤمن ويسعى خلفه في حياته لبنائها بالشكل المطلوب حتى تنطبع على سلوكه خصوصاً إذا ما استشعر الإنسان أنه خليفة الله على الأرض وأنه المسؤول الأول عن إعمارها؛ فأعظم ثمار هذه الليلة المباركة أن يتعرف الإنسان على حقيقته ومآله وأين هو؟!

والحمد لله رب العالمين..