ليلة مباركة
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان: 3]
روي عن الإمام الباقر أنه قال: ”من وافق ليلة القدر فقامها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر“ [1]
ينتظر المؤمنون ليلة القدر ويحرصون على إحيائها، ليَحظَوا بِنَيلِ أعلى الرتب الإيمانيّة، فهم يعون فضلها ومكانتها والجزاء الكبير لمن أحياها بما يتناسب مع قدرها.
ولكي نستفيد من هذه الليلة المباركة علينا أن نخطط لها تخطيطًا دقيقًا فهي ساعات معدودة ينبغي أن نستثمرها في اكتساب المزيد من الثواب، والقرب من الله تعالى.
وهنا أذكر بعض النقاط لعلها تفيد القارئ العزيز:
وأعني به أن نكون على وعي بمعاني هذه الليلة، وأن يوفر في نفسه مؤهلات تتماشى وشأنها ومنزلتها. فمَن عَرَف حقَّها، وقام فيها بالعبادة، وسعى للتغيير في منهج حياته، حَظِي بالقرب المعنويّ من الله سبحانه، وبالقرب من محمّدٍ وآل محمّد .
وفي هذا الصدد أدعو القارئ أن يقرأ تفاصيل أعمال ليلة القدر من كتاب مفاتيح الجنان، وأن يقرأ أحد الكتب الثقافية الروحية التي توضح معاني هذه الليلة ككتاب «أعمال ليلة القدر معراج الروح ومنهج تغيير» [2] لسماحة الشيخ حسام سعيد آل سلاط فهو كتاب يفيض باللفتات الروحية الجميلة وينطلق بالمؤمن في رحاب هذه الليلة المباركة محلقًا مع الملائكة ليكون في صفوف الفائزين بالمغفرة والرحمة في هذه الليلة.
قبل أن تشرع في أعمال ليلة القدر المباركة عليك أن تحاسب نفسك، يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» الحشر: 18.
وروي عن الإمام الصادق : فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن أمكنة القيامة خمسون موقفا، كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا هذه الآية: * «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» [3] .
في هذه الليلة أنت تدخل في ساحة المغفرة وساحة الانتقال إلى حياة أفضل، لذلك عليك أن تكتشف مواطن الخلل في ذاتك، وتقرر في هذه الليلة أن تتغير إلى الأفضل.
إذا أردت أن تغمر قلبك الرحمة وتنال درجة التوبة والقبول في هذه الليلة فعليك أن تطهر قلبك من الشحناء والبغضاء، والحقد والكراهية، وتقبل على ربك بقلب طاهر نقي.
روي عن الإمام الرضا ، عن آبائه قال: قال رسول الله ﷺ:... وفي أول يوم من شهر رمضان يغل المردة من الشياطين ويغفر في كل ليلة سبعين ألفا، فإذا كان في ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله عز وجل أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا [4] .
قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ﴾ غافر/ 60
اقرأ الدعاء قراءة الداعين وليست قراءة تلاوة وترتيل، حيث أن قراءة الداعين تشمل حضور القلب ومخاطبة الله سبحانه بقلب ملؤه الشوق.
انتقل مع كلمات الدعاء وحلق مع معانيها، اقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي وتفكر في معاني كلماته ومقاطعه الروحية التي تكون بمثابة استراتيجية شاملة للتغيير.
صلاة القدر هي ركعتين لذلك عليك أن تحسن هذه الصلاة وتؤديها على أكمل وجه، وتتفاعل معها بعقلك وروحك من خلال:
أ» الإقبال والتوجه إلى الله، فمن يقبل على الله يقبل الله عليه، روي عن رسول الله ﷺ: إذا قمت في صلاتك فأقبل على الله بوجهك يقبل عليك [5] .
ب» التدبر والتفكر، لا تكن صلاة جسد بلا روح، روي عن رسول الله ﷺ: يا أبا ذر! ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهي [6] .
ج» صلاة المودع فأنت لا تعلم هل توفق في العام القادم لأدائها أم لا، روي عن الإمام الصادق : إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها أبدا، [7] .
أخيرًا علينا أن لا نضيع هذه الفرصة الثمينة وأن لا ننشغل عنها بهوامش الحياة، لتكن هذه الليلة منطلقًا لحياة جديدة، نصحح فيها تلك الأخطاء ونعقد العزم للسير وفق منهج الله تعالى.