هونها وتهون ”2“
عندما ينتابك شعور بالضيق، وأنك مستنزف القوى، إما لضغط متراكم جراء ركضك المتواصل للحاق بمتطلبات الحياة أو العمل، أو مزيجا من كليهما فاطمئن، لأنك لست وحدك الذي يعاني من تلك الويلات. هذه الأعراض عادة ما يصاب بها الأفراد الذين لا يملكون السيطرة على ما يحدث لهم في الحياة، وأن هناك ثمة موقف ما يحاصرهم وليس لهم سبيلًا للخروج منه.
إحساسك الدائم بأن طاقتك على وشك أن تنفذ، وشعورك بتدني الرغبة لديك في أن تقوم بعمل أي شيئ، هذا مع تفاقم حدة الأرق وعدم الرغبة في النوم، يجعلك في حالة إرهاق جسدي ونفسي متواصل. استمرار هذه الحالة الصحية المتردية أمر يدعو الى القلق من صعوبة التعافي في المستقبل، هذا إذا لم يكن هناك من حلول استباقية تضع حدًا لما أنت فيه من تأزم حالتك الصحية. جميعنا تمر بنا أوقات عصيبة بين الحين والآخر، وقد يتسلل الينا الإجهاد من حيث لا نحتسب، لكن علينا أن نتسلح بالإيمان والصبر، وأن تكون لدينا القناعة بأنه مازال لدينا المتسع من الوقت الذي يجعلنا نتغلب على ما نحن فيه من استياء.
الجميع يتفهمون تلك الحساسية المفرطة التي تعاني منها تجاه كل شيء تقريبًا. كما أن جميع من حولك يدركون أيضًا أنك تعاني من انهاك جسدي، وأنك فاضي اليدين ولا تكاد تملك اليسير من سعة البال التي تقوى بها على انتشال نفسك مما أنت فيه. إن ما تشهده من شرود ذهني وغضب تجاه أتفه الأسباب، وما يرافقك من آلام في الرأس شبه يومية، وفقدان للشهية، لهي محط اهتمام وتعاطف من قبل أصحابك ورفقاء دربك وأهل بيتك. لا تعتقد ولو للحظة أن الأنفس كلها تتطابق في تكوينها خُلُقًا وخِلْقَةً، فالدنيا مازالت بخير وهناك الكثير ممن يتعاطفون معك قلبًا وقالبا، ويعتقدون أنك تمتلك من الإرادة ما لا يمتلكه الكثير من الناس. وأن لديك من مقومات النهوض، ما يجعلك تخرج من هذه الأزمة صحيحًا سالمًا بعون الله وتوفيقه أولًا، وما تمتلكه من رصيد لا يُسْتَهان به من التجارب والمهارات الحياتية، ما يجعلك قادرًا على حل جميع مشاكلك بنفسك، ودون الحاجة إلى أي مساعدة من قريب أو بعيد، فقط استعن بالله.
اجرائك لبعض التغييرات الصغيرة في عاداتك ونمط الحياة التي تعيشها، كفيل بقلب الطاولة رأسًا على عقب، وتحويل ذلك التعب النفسي إلى سعادة لم تحلم بها في يوم من الايام. إذا كان باعتقادك أن تلك الضغوط النفسية سببها بيئة العمل، ففكر في تغيير عملك. أما إذا كان مصدر الألم هو رئيسك المباشر أو مدير الدائرة بعينه، فأنت وضعت اصبعك على الجرح الذي يعاني منه الكثير من الناس. هنا أنصحك بالبحث عن دائرة عمل أخرى، فقد يحالفك الحظ وتجد مديرًا متفهمًا يقود عمله وموظفيه بعقلية القائد الواعي، لا المدير المتجبر الذي همه أن ينجز العمل دون الإلتفات الى من أنجزه.
أخرج من تلك الشرنقة التي وضعتها حول نفسك وتنفس هواء الحرية. تحدث وجهًا لوجه مع أصدقاء لك، أعد بناء وصيانة تلك العلاقات القديمة التي قد ترى فيها بصيصًا من الأمل يمكن البناء عليه لتخفيف التوتر لديك. لا يتعين على هذا الصديق أو ذاك إصلاح مشاكلك من جذورها، أو الحكم على أقوالك وتصرفاتك، أو اعطائك المحاضرة تلو الأخرى، بقدر ما أن يكون ذلك المُنْصت الجيد، الراقي بحبه وإنسانيته.
جميعنا نحتاج الى فرصة نلتقط فيها بعض الأنفاس في مرحلة ما، وخارج الروتين الذي يحتوينا. نحن بحاجة إلى نرجع الى ذلك الكريم الذي يعطي قبل نسأله، فكيف إذا سألناه. يقول عز جلاله «وَإِذَا سَأَلَكَ عبادي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ». وأي دعاء يمكنه أن يزرع السكينة في القلوب المكلومة والصدور الضيقة، كما يفعله دعاء الحفظ. توجه إلى مكان هادئ، أغمض عينيك واسترخي واستمع وتأمل في كلمات هذا الدعاء العجيب ”بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله خير الأسماء. بسم الله رب الأرض والسماء. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه سم ولا داء. بسم الله أصبحت وعلى الله توكلت، بسم الله على قلبي ونفسي. بسم الله على ديني وعقلي. بسم الله على أهلي ومالي. بسم الله على ما أعطاني ربي. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئ في الارض ولا في السماء، وهو السميع العليم. الله ربي لا أشرك به شيئا. الله أكبر الله أكبر، وأعز وأجل مما أخاف وأحذر. عز جارك وجل ثنائك، ولا اله غيرك. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل شيطان مريد“. في الختام أذكرك بالمثل الشعبي المعروف ”هونها وتهون“.