ثقافة الإتقان
قال تعالى: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون﴾ النمل / 88.
قال رسول الله ﷺ: ”إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه“ «1»
إن الإتقان هو تحقيق أعلى مستوى من الجودة في العمل، وهو جوهر النجاح ونواته العظيمة وعنوانه الأصيل وهو صفة لازمة للمؤمن المحسن وللدين القويم.
كمان أن إتقان العمل أولى من إنجازه، فلا قيمة لعمل غير متقن فقد يكون هذا العمل استهلك الكثير من الأموال والطاقات ونهايته تكون كارثية، لذلك علينا أن نفكر في أن يكون لدينا «إنجاز متقن» بدل أن يكون لدينا «إنجاز» كيفما اتفق.
كيف تتقن عملك؟
الإتقان ثقافة تكتسب وتغرس في النفوس وتكون مهارة وصفة داخلية تعبر عن قوة الشخصية المتصفة بصفة الدقة وحب العمل، والسعي لإنجازه بأرقى صورة.
لكي تتقن عملك، اتبع هذه الخطوات:
- الاهتمام بالتفاصيل ”جزئيات العمل“. يقول ربنا ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ «7» وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ «2»
وكما يقال ”لا تستهن بصغائر الامور فكم من قشة قصمت ظهر بعير وكم من قطرة فلقت حجرا أصم“. فعليك ان تكون دقيقا في انجازك.
- اعمل الأحسن دائمًا، قال تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملاً» الملك / 2 فلا تطلب سرعة العمل بل تجويده لأن الناس لا يسألونك في كم فرغت منه بل ينظرون إلى إتقانه، وجودة صنعه.
- تجنب التساهل في العمل وابتعد عن التفريط.
- ممارسة العمل وتكراره حتى تتقنه. يقول الإمام علي : ”تمام العمل استكماله“ «3».
- التزود بالعلم الكافي حول ذلك العمل. قال الإمام الصادق «عليه السَّلام»: ”الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، لَا يَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْداً“ «4».
- اختر العمل الذي تحبه وتتقنه*. قال الإمام علي : «من شغل نفسه بما لا يجب، ضيع من أمره ما يجب» «5».
- استعن وشاور أهل الخبرة*. قال الإمام علي : «من استعان بذوي الألباب سلك سبيل الرشاد» «6».
المطلوب إتقان وتميز
كما أن الإتقان مطلوب في جميع الأعمال المهنية، فإنه مطلوب أيضاً في الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وهنا أؤكد على ثلاث جوانب مهمة نعايشها في شهر رمضان:
الإتقان في قراءة القرآن:
لقراءة القرآن أجرٌ وثواب، ولكن عندما تكون قراءة متقنة فإنها تكون أكثر ثوابًا، وقراءة الاتقان تكون بحسن القراءة «صوتًا، تجويدًا، ترتيلًا» كما ورد عن رسول الله ﷺ - في قوله تعالى: ﴿ورتل القرآن ترتيلا﴾ -: بينه ولا تنثره نثر البقل، ولا تهذه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، حركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. «7»
قراءة الإتقان تشمل التدبر والتفكر في معاني آياته كما ورد عن الإمام علي : ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه" «8».
الخطابة المتقنة
لماذا نجد تفاعلًا مميزًا مع بعض الخطباء دون غيرهم؟
الخطيب يلعب دورًا مؤثرًا في المجتمع، فله دوره في بث الوعي الصحيح، وله دوره في عملية الإصلاح والتغيير، وله دوره في دفع عجلة التنمية الاجتماعية، ولذلك لابد أن تكون لديه القدرة المؤثرة والثقافة الواسعة والأسلوب الجميل في توضيح الحقائق.
ولهذا نجد التفاعل المميز مع الخطيب المتقن لأسس الخطابة وفنها، ولأنه متقن لأسس الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
العمل الاجتماعي المتقن
قال تعالى: ”وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ“ التوبة «105» حينما نعي هذه الآية فإننا نتحول إلى العمل المتقن.
نعم إننا نريده عملًا اجتماعيًا متقنًا يتميز بالحيوية والنشاط والقدرة على التأثير، نريده عملًا يلامس احتياجات المجتمع ويكون رقمًا مميزًا ولبنة وبصمة مميزة في المجتمع.
إننا بحاجة إلى لمسات إبداعية في أعمالنا الاجتماعية، هذه اللمسات هي سر بقاء العمل الاجتماعي ونموه واستمراريته.
أخيرًا تذكر أن: «عمرك كله: هو اللحظة التي أنت فيها، فأتقن عملك ما استطعت، فقد لا تواتيك فرصة أخرى للعمل» «9».