رمضان بين هلالين من خلاف!
عاشت الأمة الإسلامية الكثير من الخلافات الفكرية أو الفقهية التي استنزفت الأمة في وعيها، ووحدتها، وقضاياها المهمة، وفي أخلاقها ومصيرها. وكان ذلك على حساب البناء الفكري الحقيقي والأخلاقي والعلمي والروحي، وعلى حساب الإصلاح والوحدة، وعلى حساب الوعي بالقضايا الأساسية.
من أمثلة الخلافات التي إستنزفت الأمة في وقتها ووعيها ووحدتها هي فضايا أمثال الخلاف حول خلق القرآن، أو حول الجبر والتفويض وغيرها. الخلافات حول هذه القضايا لا تقدم وعياً حقيقياً، ولا بناءً فكرياً للأجيال القادمة، فضلاً عن الإنقسامات، والمشاحنات، والغفلة عن قضايا الأمة المصيرية، ومشاكلها الحالكة، بل وإمعانا في فرقة الأمة على فرقتها. وطبعاً ما يزيد من حدة الخلافات هو الخلاف الحقيقي بين علماء الدين، الذي يستغله أنصار كل جهة للنيل من الجهات الأخرى.
في مثل هذه المواقف فإن الأئمة يبتعدون عن الخوض فيها حتى لا يزيدون النار حطباً، وحتى لا يعطون قضايا الغفلة بعداً إيجابياً. بل إن سكوتهم عنها في حينها هو تحجيم لها والحد من تأثيرها.
ومن القضايا الحالية التي تنشر الغفلة هي قضية ثبوت الهلال ودخول شهر رمضان، أو خروجه. والقضية ليست في البعد الفقهي، بقدر ماهي في تنافس التيارات الدينية في من يستطيع أن يثبت دخول الشهر، أو ينفيه ويجمع القدر الأكبر من الأتباع حوله. ليس هناك بناءاً فكرياً في هذا الصراع، فهي قضية رؤيا، وليست قضية فلسفية أو أخلاقية أو عرفانية، أو علمية، أو قضية إصلاح، أو قضية معالجة مشاكل الأمة الملحة. بمعنى آخر فإن ضرر هذا الصراع والخلاف أكثر من نفعه. فهو يستنزف الوقت والجهد والأخلاق والفكر، وإسقاط الشخصيات، والشحناء، أو التباغض، في الوقت الذي يأتي فيه شهر رمضان من أجل تهذيب الأخلاق، وإحياء الأرواح، وإصلاح ذات البين، ويقضة الأمة، وإصلاحها.
إن شهر رمضان هو من أهم المواقيت الدينية التي يجب استغلالها لتوعية الناس، وإصلاح شؤونهم، وتوجيههم للبناء الأخلاقي والروحي والعلمي. نجد الرسول الأعظم ﷺ، وهو القدوة الأولى للمصلحين، في خطبته قبل شهر رمضان، يدعو الناس إلى التوجه نحو الإستفادة من الشهر العظيم، ونحو الأخلاق العالية، والأحلام الخطيرة، والأعمال الجليلة. ويبعدهم عن سفاسف الأمور التي تهدر عقولهم وطاقاتهم وأوقاتهم وحياتهم دون فائدة لا دنيوية ولا آخروية.
ومن أمثلة الأمور التي تشغل الإنسان عن أهدافه السامية هو الإنشغال بالتجاذبات والصراعات الخفية حول الهلال، بعيداً عن الشهر نفسه. فالأولى هو الإنشغال بالشهر وأهميته وما يريد الإنسان أن يحققه في هذا الميقات السماوي، بدلاً من إستنزاف الوقت والطاقة في صراع وتنافس التيارات الدينية.
وللأسف فإن هذه المراشقات، والخلافات، والإسقاطات، إنما تعبر عن مستوى التدني الأخلاقي، فهي من صور البغي بين الناس، والصراع السلبي، بدلاً من النصيحة، وتقبل الآخر.
إننا نجد البيانات التي تصدر عن علماء الدين أو مكاتبهم في مستهل شهر رمضان تركز حول ثبوت الهلال، وعن الإستغراق في الهلال على حساب الشهر نفسه وأوقاته العظيمة، وكذلك هو الحال حول أيام العيد، وهي من أفضل الأيام العبادية. لذلك لعله من الأفضل أن تصدر بيانات علماء الدين حول أهمية الشهر، ورعايته، وعن هموم الأمة، وقضاياها الكبيرة، وإغفال موضوع الهلال، وتركه للمراصد الفلكية، أو الجهات الأخرى. ويترك للمكلف أن يعمل بتكليفه الشرعي.