عن الحرية السلبية
لا شك أن أحد أسباب التوجس من منح الحريات للأفراد، هو استعمالها بما لا يتناسب مع مصلحة المانح لها أو الإضرار بالمصلحة العامة، فالأفراد ليسوا على مستوى موحد وثابت من كفاءة التعامل معها وبها، وبالتالي علينا الاعتراف بوجود الحرية السلبية كوجه من وجوه حرية الإنسان، والتي تحتاج لنظام وقانون جزائي للتعاطي معها، نذكر بعض الأمثلة:
الخروج على الأنظمة الحاكمة والقوانين الضابطة لنظام العلاقة بين الفرد والدولة، فالحرية المطلقة في هذه الحالة قد تجر الاستقرار الوطني إلى ميدان اضطراب ونقمة لا تُحمد عقباه، وهنا يأتي دور ضبط الحريات وتحديد آفاق المرونة فيها، لضمان علاقة وطنية مستقرة وداعمة للتقدم والازدهار.
الفساد الإداري والمالي، مُخرج من مخرجات الحرية السلبية والتي تتحول إلى تسلط جائر على الموظفين والمواطنين بقيادة مُلاك المؤسسات والشركات الكبرى، فترك الحبل على الغارب لجشع الإنسان وطمعه قد ينعكس سلبًا على الإنتاج، ويزيد من حجم الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين شرائح المجتمع ظلمًا.
بالمجمل، إن صور الحرية السلبية كثيرة ولا يمكن حصرها هنا، ولكن وجودها يؤكد على التنوع البشري الذي يستخدم الوسيلة الواحدة لعدة أهداف، فقد تقود المجتمع إلى النهوض والتقدم وقد ترديه إلى الانحلال والجمود، عبر أساليب متعددة لا يمكن تنظيف الإنسانية منها بالكامل.
والاعتراف بالقطب السلبي في معادلة الحرية لابد ألّا يقودنا لإنكار القطب الآخر، والذي هو الأصل في معنى حرية الإنسان، ولكن للأسف أن المجتمعات الضعيفة ركنت إلى الجانب المظلم، وقيدت كل مداركها بقيوده السوداء، وخسرت فرصة عيش الحياة الحرة والاستمتاع بمعانيها العظيمة، وآلت بنا إلى ما نحن عليه اليوم، من دفاع عن قيمة أصيلة تم هدرها، حتى صار غيابها هو المتعارف عليه والمطالبة بها هو النشاز والمستنكر.
ولنعرف إلى أين وصلنا بتدهورنا الفكري والثقافي، لنطرح عبارة «الحرية ضرورة للإنسان» ولنلاحظ كيف يستقبلها العقل الجمعي؟ وكيف يفهم ماهية الحرية المعنية؟ وإلى أي مدى يسعى لتفهم المتحدثين بها؟
للأسف، إن كثيرًا من العيون والأفئدة ستتجه - أولاً - للزاوية السلبية، لماذا؟ من الذي تسبب في تجسير علاقة الفرد بالناحية السوداء من الحرية فنسي معانيها الكبيرة؟.