هونها وتهون
أحلام الإنسان كثيرة، البعض منها قابل للتحقيق والبعض الآخر يستعصي أن يتحول إلى واقع ملموس. من تلك الأحلام المستعصية، إيجاد حياة هادئة ومريحة وخالية من المشاكل على امتداد العام. هذا بطبيعته لا يدعونا للسخط واللامبالاة. علينا أن نكون شفافين وصادقين مع أنفسنا، بأن هذه الحياة ليست بأكثر من دنيا يملؤها الخير والشر والطيّب والخبيث، وأنها لم تكن في يوم من الأيام تلك المدينة الفاضلة كما صورها أفلاطون، ولن تكون كذلك فيما تبقى لنا من سنين وأيام. إذا كانت الحياة هي فعلًا كما نعرفها أنا وأنت، وليس هناك من عالم آخر، يمثل جنة الأرض، يمكننا الإنتقال إليه، ألا يدعونا هذا أن نبحث عن طرق وأساليب تجعل حياتنا أكثر سعادةً وسهولةً وتقبلًا.
كل يوم نستقبل الكثير من المعلومات جراء مشاهدتنا للتلفاز واليوتيوب، وتفاعلاتنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي، هذا بالإضافة إلى ما تستقبله عقولنا جراء تعاملنا مع مختلف البشر على تنوع ثقافاتهم وتخصصاتهم. عقولنا بدورها تعمل على معالجة تلك المعلومات وأخذ ما يتناسب وتوجهاتها والحاجة الملحة التي تدفعها للاحتفاظ بالمعلومة، أو التخلي عنها، لصعوبة استيعابها بالكامل. هذه المعلومات تلعب دورًا محوريًا في التأثير على وجهة نظرتنا للأشياء التي تحدث لنا، وبالتالي تشكّل عاداتنا. وبما أن المعلومة لها هذا الدور المفصلي، بات علينا أن تكون لدينا القدرة على تمييز واختيار ما ينفعنا منها، حتى نتمكن من بلورة تطلعاتنا للحياة على أسس وقواعد متينة ونافعة، تهيؤنا لاستبدال عاداتنا السيئة بأخرى مفيدة ونافعة.
إذا كان يغلب عليك الطابع ”البيتوتي“، كما يقول اللبنانيون، حيث أنك تقضي معظم وقتك داخل المنزل، اعمل على كسر هذا الروتين من الحياة، لتقضي بعض الوقت خارج المنزل وممارسة بعض الأنشطة الترفيهية في نادي الحي القريب منك. تعود على أن تقتطع ساعة من وقتك للذهاب الى ساحل البحر والمشي حافيًا لتشعر بحبيبات الرمل وهي تدغدغ باطن قدميك، ومنها لتتنفس الهواء الطلق. اذهب للنزهة في الحدائق العامة القريبة أو حول المزارع والمشاتل، للاستمتاع بالهدوء والبعد عن كل مظاهر المدنية التي جعلتك حبيس المنزل لمشاهدة التلفاز والإنشغال بأجهزة السوشل ميديا.
في هذا العالم المضطرب الإتزان والمتناهي السرعة في إيقاعاته، لا يُسْتثنى أحد من التعرض الى الإجهاد النفسي والإرهاق العقلي والجسدي. الجميع هنا معنيون بأن يخرجوا ما لديهم من إبداعات وهوايات وممارستها يوميًا للتخفيف ما أمكن من حالة الإجهاد التي باتت ملاصقة للفرد أنّا كانت وجهته وتطلعاته. ممارسة عشر دقائق من الصمت أو العزلة يوميًا، يمكن أن تعمل عملها على الصحة العقلية والعاطفية، ما لا يتصوره أحد على الإطلاق. عندما تضيق بك الدنيا بما فيها، حدد لنفسك مكانًا ترتاح إليه، بعيدًا عن كل ما يمكن أن يعكر صفو حياتك. ما عليك سوى الجلوس هناك، وأن تغمض عينيك وتتأمل وأنت تستمع لهذا الدعاء لزين العابدين «سُبْحانَكَ ما اَضْيَقَ الْطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَهُ، وَما اَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبيلَهُ، اِلهي فَاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ اِلَيْكَ، وَسَيِّرْنا في اَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ، قَرِّبْ عَلَيْنَا الْبَعيدَ وَسَهِّلْ عَلَيْنَا الْعَسيرَ الشَّديدَ، وَاَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذينَ هُمْ بِالْبِدارِ اِلَيْكَ يُسارِعُونَ، وَبابَكَ عَلَى الدَّوامِ يَطْرُقُونَ، وَاِيّاكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَعْبُدُونَ». هذا مقتطف من مناجاة الرائدين، ومثلها الكثير من الأدعية المُريحة للنفس. خروجك من تلك الشرنقة الضيقة وكسر روتين حياتك بتبني عادات جديدة، هو أحد الطرق الناجعة التي من شأنها إعادة التوازن الى يومك.
تغيير نظرتك لذاتك، وللحياة بشكل عام، يتطلب بعض الإجراءات البسيطة التي يمكنك اتخاذها لتغيير نمط حياتك وكسر الروتين فيها. ابدأ بتدوين يومياتك والإحداثيات التي تمر عليك من إنجازات ومعضلات، صغيرها وكبيرها، وكيف مرت وانتهت. هذا النوع من الكتابة سيعيد تشكيل تفكيرك في كل ما فعلته في الماضي، أو تنوي فعله مستقبلًا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هي احدى الإجراءات التي تمكنك، بمشيئة الله، من إلقاء، ولو جزء يسير، من عبء الحياة على الورق، وكم هي من عملية بسيطة، لا تحتاج منك الكثير من الجهد والإمكانات.
الصحة النفسية والعقلية تتطلب اقتطاع وقت لنفسك يوميًا تغذي فيه عقلك بكل ما هو إيجابي. تأكد من أن تسأل نفسك، قبل السعي لإنشاء عادات جديدة، إذا ما كانت تلك العادات ستؤثر سلبًا على صحتك أو حياتك على المدى الطويل. التغيير لا يجب أن يخيفك كثيرًا، فمن خلاله تكتشف الكثير عن نفسك وطباعك، وبه تنمو وتكون أكثر رضًا عن ذاتك أولًا وعن حياتك من زاوية أخرى. في النهاية خذ بالمثل القائل «هونها وتهون».