لحظة من فضلك
وسط فوضى الحياة اليومية، هناك بطانة فضية تتيح لك التنبه الى قيمة تلك الهبة الإلهية المتمثلة في عيش اللحظة، وهي الجزئية الصغيرة من عمرك المديد وكيفية استثمارها، هذا اذا كانت لديك القدرة الذهنية والإستعدادية النفسية على إدراك الشعور بالمعنى الحقيقي لكل لحظة تحياها. الوقت هو الحياة، ومن يسلب الوقت منك، هو تمامًا كمن يسرق منك أثمن شيئ لديك. الكاتب والشاعر الأمريكي كارل ساندبرغ يقول «الوقت هو العملة الأكثر قيمة في حياتك، وأنت وحدك الذي تحدد كيفية إنفاق هذه العملة. كن حذرًا من عدم السماح للآخرين إنفاقها نيابة عنك».
اللحظة الراهنة هي أثمن ما تملك، لأنك لا تعلم إذا كنت ستعيش اللحظة التي تليها أم لا. والحياة أو العمر المخصص لك ما هو إلا تراكم لتلك اللحظات التي تحياها. أنت تعلم أن الوقت يداهمك، فيا ترى ماذا عساك فاعل بما تبقى لديك من وقت؟ سؤال في غاية الأهمية يطرحه المهتمون بالوقت على أنفسهم أولًا وقبل غيرهم، لشعورهم بالتقصير تجاه هذه الثروة المهدورة والتي لا يعلم مدى تأثيرها إلا أولئك الذين أسرفوا في تبديدها، ولم يعد يمتلكون القدرة للرجوع الى الوراء وإصلاح ما تم هدره بأيديهم، وهذا ما يجعل المصيبة أدهى وأمرّ.
أقولها وبكل حرارة، إذا لم يكن بمقدورك إعادة تموضع نفسك، واتباع استراتيجية أخرى وبنهج مختلف تمامًا عن ماكنت تمشي عليه، فإن النتائج النهائية ستكون مقاربة لتلك التي انتهت بك. الحل يكمن في أن تغير من طريقة تفكيرك، ومن الطريقة التي تعمل بها في حل قضاياك ومشاكلك الشخصية. عليك أن تصارح نفسك بأنك قد وصلت الى طريق مسدود، وأنك قد عَلقْتَ في ورطة مع ما تمتلكه من تفكير محدود، قديم وغير متجدد، ومع أناس محدودين في تفكيرهم هم الآخرين. هذا مع انعدام للرؤية والخطط لديك والتي من شأنها أن تنقذك مما أنت فيه من تيه وضياع.
لحظة من فضلك، إذا كان في تصورك أنك قد أعطيت كل ما لديك ولم توفّق لتحقيق النتائج المرجوّة، هذا لأنك في كل مرة تبدأ فيها مشروعك الجديد، للأسف تتبع نفس النهج الذي سلكته في المرات السابقة. عليك أن تتوقف، وأن تمتلك الشجاعة لتقول لنفسك «كفى». حان الوقت أن تعترف لنفسك بأن حساباتك لم تكن بتلك الجودة والدقة اللازمتين. اعترافك هذا لا يعني نهاية الحياة بالنسبة لك، بل ربما بدايتها. كل ما عليك أن تفعله هو أن تسأل نفسك «ماذا عليك أن تفعل بما تبقى لديك من وقت». ما زال هناك الكثير من الأدوات والأفكار التي لم تستخدمها بعد. تخلص من كل ما تعتقد أنه كان سببًا في تعثرك، ارتدى حلة جديدة وعقلية متجددة قادرة على تبني النُظُم والآليات الحديثة التي تتماشى ورؤيتك المستقبلية. استثمر كل لحظة من لحظات حياتك للوصول الى حلول تخرجك من قمع الزجاجة التي حاصرتك لسنين وأوقعتك في الوضع الراهن الذي تعيشه.
من أبجديات ألف باء التغيير، أن تبدأ في تحسين بيئتك الاجتماعية وأن تبدأ بالدائرة الأصغر، وذلك بصيانة علاقاتك مع الأقربين من حولك. حضورك وتواجدك الحسّي، علاوة على تواجدك الجسدي، في حد ذاته كفيل بأن يتيح لك الفرصة بأن تقدم نفسك بالكامل لمن تحبهم، وتوفر لهم الراحة والدعم عندما يحتاجون إليه. أليس هذا كل ما تريده لأحبائك، أن تكون هناك من أجلهم. تواجدك هو أبلغ تعبير عن حبك لمن حولك، كما هو تجاه القيمة التي توليها تجاه اللحظة الراهنة التي هي أثمن ما تملك. القليل من اللطف يمكن أن يُحدث الكثير من التأثير في عالم أصبحت فيه الكراهية أكثر وضوحًا. قيامك بتقديم يد العون لشخص ما، أو تبرعك بوقتك أو مالك، سبب وجيه يذّكرنا والآخرين بأن الأشخاص الطيبين ما زالوا موجودين في عالمنا. بَذْلك دقيقة واحدة من وقتك لتكون لطيفًا مع شخص ما، لن يشرح صدر ذلك الشخص تجاهك فحسب، بل سيجعلك شخصيًا أكثر سعادة، ويستحضر الكثير من جماليات التفاعل الإنساني، ويرسّخ المفاهيم الصحيحة لدى الجميع، وبأن أجمل اللحظات التي نحياها، هي تلك التي نبذلها في خدمة الآخرين.