آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

الأستاذ أيوب المدرس المختلف

الدكتور أحمد الجبر *

منذ كنت في الصف الأول ابتدائي، اعتدت أن يكون مدرس الرياضيات من أصحاب الأجسام الضخمة، الصوت الجهوري، الذكاء الحاد والعصبية المفرطة. لا أدري اذا كانت هذه الصفات غالبة على مدرسي الرياضيات أم أنها بمحض الصدفة لمعظم مدرسي الرياضيات الذين درسوني. كان هذا هو الحال بالنسبة لي حتى وصلت الى الصف الثالث متوسط.

مع بداية الدراسة بالصف الثالث متوسط، سمعت من الطلاب بأن مدرسنا سيكون هو الأستاذ أيوب.

الأستاذ أيوب، هذا الاسم بحد ذاته غريب..!.

لم يسبق لي أن قابلت شخصا يحمل هذا الاسم. هذا الاسم نادر جدا، مر علي مرتين في حياتي. الأولى حين سمعت قصة نبي الله أيوب ، الثانية في مسلسل الابريق المكسور، حيث أدى الشخصية الفنان عبدالرحمن العقل. ربما عزيزي القارئ أنت أيضا، لم تصادف في حياتك شخصا بهذا الاسم!

*دخل علينا الأستاذ أيوب الفصل. كان يختلف عن بقية مدرسي الرياضيات الذين أعرفهم، فقد كان نحيل الجسم. كان ذو بشرة سمراء عليه ملامح البحار القطيفي. لا يضع عقالا. كان الاستاذ أيوب يتحدث بهدوء، دونما أي انفعال كالذي يبديه بالعادة مدرسو الرياصيات الآخرين. هذا الاختلاف الفاقع كان جاذبا لي. إنها المرة الأولى الني يجبرني المدرس للاستماع لكلامه بدون تهديد ووعيد*

كنت عادة ما أطلق العنان لعقلي ليسرح في فضائات الكون الفسيح مع بداية الشرح. فليس من المعقول أن أترك هذا الكون الفسيح وأقعد حبيس غرفة الفصل. بالنسبة لي، كان صوت المدرس شيئا فشيئا يتحول لنوع من الموسيقى الخلفية وابدأ برحلات المغامرة في مخيلتي.

الا مع الاستاذ أيوب، كان يجبرني بطريقته المختلفة وبلهجته على البقاء في الفصل والانتباه للدرس. مع الأيام أصبحت أحب الأستاذ أيوب وأقلده في تصرفاته. وأهمها عدم الانفعال.

*كان يسألني عن الواجب، ثم يبدي امتعاضه من عدم حل الواجب. دون ضرب أو صراخ أو حتى تقريع مبتذل. كانت الامتعاضة على وجهة، ككسرة قلب والدك الحنون عليك وهو يقول أفا عليك يا ولدي*

في يوم من الأيام، قال لي على انفراد، أنا أرى أنك من أذكى وأفضل الطلاب في المدرسة. كل ما تحتاجه هو شيء من الإهتمام والتركيز. قلت في نفسي، ربما يريد أن يشجعني قليلا. فأنا العاشر على المدرسة بعد أن بذلت كل ما بوسعي. بالتأكيد لن أكون بمستوى العشرة الأوائل. بعدها بفترة بسيطة، في مادة الفيزياء، سألنا مدرس الفيزياء الاستاذ عزيز الصفار في الدرس. فلم يجب أحد. ثم سألني الأستاذ،

ما ذا تقول يا أحمد. طبعا لم أكن أعرف الجواب أيضا. فقال الأستاذ بلهجة قطيفية، ”استاذ أيوب يحمق بك في غرفة المدرسين“!.

ماذا..؟؟.

هذا يعني أنه لم يقل تلك الكلمات من باب التشجيع فقط. بل قالها لي وهو مقتنع بها.

مرت السنين والأيام، ظل هذا الصوت في عقلي الباطن يقول لي. استمر ولا تخذل الإستاذ أيوب. فقد قال لك أنه يراك من أذكى الطلاب في ثانوية ام الحمام. مع أني كنت العاشر حين تخرجت. لا أريد أن أبدو أحمقا يتفاخر بانجازات سخيفة قادته الظروف لها.

في حقيقة الأمر، كنت أخفق في أكثر الأحيان. لكن مجرد الاستماع لصوت الاستاذ أيوب كان يحثني ويلهب الحماس في قلبي لأقف واتحدى ما أخفقت فيه، مرة بعد أخرى.

أعتقد أن لدى كل واحد فينا مدرس مميز مر عليه وغير شيئا ما. هنا أشكر الاستاذ أيوب ابو زيد على ثقته في كطالب. لقد كان لكلماتك البسيطة يا استاذ أثر كبير على حياتي. فشكرا جزيلا من القلب.