آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

هل ياترى حان الوداع؟!

سوزان آل حمود *

إن الكون من حولنا موجود ضمن نظام دقيق، وتناغم فريد. وهو يضم 300 مليار مجرة وكل مجرة منها تحتوي في المعدل على 300 مليار نجمة. ويتجلى النظام المدهش الموجود في الكون في أن هذه المجرات والنجوم والكواكب والأقمار تدور حول نفسها من جهة، وتدور ضمن نظامه الفلكي في مدارات معينة من جهة أخرى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير نشوء كل هذا النظام الرائع والترتيب المذهل، والحساب الدقيق عن طريق المصادفة.

فنحن نعيش فوق أحد هذه الأجرام السماوية التي تتحرك بسرعة فلكية مخيفة. وبالإضافة إلى هذا فإن كوكبنا يعد كوكباً صغيراً وعادياً فيما إذا قورن مع بقية الكواكب الموجودة في هذا الكون الواسع المترامي الأطراف.

إن هذه الدرجة التي لا تصدق من الدقة في التوازن الموجود في نظام الكون تشير إلى حقيقة لا مفر منها وهي، أن حياتنا على كوكبنا الأرضي مرتبطة بقيد شعرة!. لأن الأجرام السماوية إذا تزحزحت أو تحركت أو انحرفت ببضع ميليمترات فقط خارج أفلاكها فإنه من الممكن أن تتولد نتائج وخيمة تجعل الحياة فوق كوكبنا مستحيلة. لقد كان من الممكن حدوث حوادث اصطدامات مروعة ضمن هذا القدر الكبير من السرعات المختلفة وهذا القدر الكبير من التوازن الموجود داخل هذا النظام، ولكن الحياة لا تزال مستمرة على كوكبنا، ولا زلنا مستمرين في العيش مما يشير إلى أن احتمال وقوع الكوارث فيه أمر نادر، فالنظام فيه مستمر ويسير دون أي خلل أو اضطراب. ونحن البشر نعيش على هذا الكوكب ونستمر في هذا العيش بأمان من دون أي قلق دون أن نشعر حتى بسرعة دوران الأرض.

أكثر الناس لا يفكرون كثيرا في كيفية استمرار هذه الحياة على الأرض، ونظرا لأنهم لا يفكرون، فهم لا يدركون أن حياتهم مرتبطة في الحقيقة بتوفر شروط غير اعتيادية تفوق الخيال. ولا ينتبهون إلى هذه الحقائق،

لقد خلق الله حياة الدنيا ليختبر فيها الإنسان ويمتحنه ولكي يرى أيهم سيتحلى بالأخلاق الحميدة ويبدي له إخلاصاً حقيقياً وعبودية كاملة. بمعنى آخر، فإن هذه الدنيا هي دار امتحان للتمييز بين الإنسان الذي يجتنب معصية الله وبين من يجحد به. ففي دار الامتحان هذه والتي تحوي القبح والجمال، الكمال والنقصان معا يمتحن العبد ضمن نظام لا يعتريه أي نقص. فالإنسان يمكن أن يظهر إيمانه بأن يسلك طرقا متنوعة في هذه السبيل، وفي النهاية فالذين يؤمنون بالله إيمانا لا يعتريه الشك أو التردد سيتميزون عن الملحدين والمنكرين وسيصلون إلى بر النجاة. وقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله:

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فليعلمن اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين «سورة العنكبوت 2 - 3»

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ «لقمان 25»

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فأنّى يُؤْفَكُون وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ «زخرف 87»

كيف يقضي الإنسان حياته؟

قال تعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

أيها الإنسان قد تبين أنك تقضي 58 سنة في مشاغل الحياة بينما سنتين فقط في العبادة.

اجرت اكاديمية Dw دراسة فحواها ان متوسط عمرالانسان 60سنة وكانت النتائج هي:

- ستة سنوات من الطفولة.

- 4 سنوات من الدراسة المدرسية والجامعية باعتبار قضاء 6 ساعات في اليوم.

- نوم 8 ساعات باليوم تعني أنك أمضيت من حياتك 20 سنة في النوم فقط و«هي ما يعادل ثلث عمر الإنسان».

- العمل لمدة 8 ساعات يوميًا تعني أنك أمضيت 16 سنة وأنت تعمل «بإهمال سنوات الطفولة والدراسة».

- ساعة واحدة من التلفاز تعني إمضاء سنتين من المشاهدة المستمرة.

- ساعة واحدة على الإنترنت في اليوم تعني إمضاء سنتين من عمرك الكلي على الإنترنت.

- تناول ثلاث وجبات في اليوم بمعدل ساعة تقريبا تعني أنك تقضي سنتين في تناول الطعام.

- زيارة الأصدقاء والرحلات والحدائق تأخذ 1ساعة بالمتوسط يعني إمضاء سنتين تقريبا.

- أكثر من نصف ساعة نمضيها مابين الاستحمام وقضاء الحاجة بالحمام تعني أنك تقضي في الحمام سنة من حياتك تقريبًا.

- استعمال الجوال في العمل والمكالمات العائلية ومكالمة الأقارب تمضي فيها نصف ساعة

بالمتوسط يعني قضاء سنة كاملة في المكالمات.

- المواصلات والانتظار مشكلة كبيرة فهي تتفاوت من بلد لآخر ولكن سنأخذ الأقل وهي ساعة

واحدة يعني أنك تقضي سنتين من عمرك في السيارة.

- العبادة - وتعمدت في تأخيرها - فهي تأخذ في المتوسط حوالي ساعة مما يعني أنك تقضي

سنتين فقط في العبادة.

إذًا كيف نطبق مفهوم الآية؟!.

يكون ذلك بالنية.

نعم. إنها أعظم سلاح يحمله كل مسلم.

وذلك بتطبيق قاعدة «تحويل العادات إلى عبادات»

فعندما تذهب للدراسة سواء ذهبت للمدرسة أم درست في منزلك اِنوِ أنك تقوم بتعلم العلم من أجل الحصول على عمل ترتزق منه رزقًا حلالاً أو غير ذلك. عندما تذهب لأقاربك اِنوِ أن هذا من أجل صلة الرحم.

عندما تأوي للفراش اِنوِ أنك تنام من أجل الاستيقاظ لصلاة الفجر ولبدء العمل وللتقوي على طاعة الله.

حتى عندما تلهو وتلعب وتستريح اِنو أن يكون ذلك لتحفيز الهمم وشحذها. فتكون قد أمضيت 60 سنة كاملة في عبادة الله وطاعته، دون انقطاع. بشرط أن تكون قد أخلصت النية لله في تلك الأعمال مهما كانت.

وتكون قد طبقت مفهوم الآية ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.

أيها المسلم إنني أخاطب اليوم قلبك وها أنا ابدأ بقلبي أولاً، ذلك لأن الغفلة اليوم وجدت لها سوقاً رائجة في دنيانا وحياتنا، فقد قلَّ من يذكّرنا بالله واليوم الآخر، وكثُر ما يلهينا ويطغينا، حتى غدا ذكر الموت أمام الملأ أمر على نفوسهم من الصبر والعلقم، ولا عجب أن يجد الواعظ من يسكته، بدل أن يجد من يحمده ويشكره..

أخي /أختي

حوادث الدهر كثيرة، وأنت بها مشغول، وعِبَر الأيام جمة وأنت عنها غافل، هل تذكرت من مات بغتة، وأُخذ فجأة، هل اعتبرت بمن تم أجله وانقطع عمله، إن الموت الذي تخطاك إلى غيرك سيتخطى غيرك إليك: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن: 26 - 27].

يقول الإمام الشافعي رحمه الله

تزوّد للذي لا بد منهُ ***** فإن الموت ميقاتُ العبادِ

وتب مما جنيت وأنت حيٌّ ***** وكن متنبهاً قبل الرَّمادِ

ستندم إن رحلت بغير زادٍ ***** وتشقي إذ يناديك المنادِ

أترضي أن تكون رفيق قومٍ ***** لهم زادٌ وأنت بغيرِ زادِ

لقد جاء الدِّين وجلّ اهتمامه أن يوسِّع للإنسان دائرة دوره، حتّى لا يبقى محصوراً بحدود الحياة الدّنيا، بل أن يتَّسع ليشمل مرحلة ما بعد الموت، وأن يعمل لليوم الّذي ينزل فيه إلى قبره وحيداً، بعد أن يترك أهله وماله ومناصبه وكلَّ ما حصل عليه من هذه الدّنيا، بين يدي ربِّه.

فكما يبذل الإنسان جهوداً مضنية، ويتحمَّل الصّعوبات والمشقّات، ويواجه الأخطار، حتى يضمن سعادته وراحته وأمانه في الحياة الدّنيا، فإنَّ عليه أيضاً أن يبذل جهوداً أكبر لتحصيل الرَّاحة والسعادة في الآخرة، لكون هذه الحياة هي الحياة الدّائمة والباقية، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وقال: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ الله الدَّارَ الْآَخِرَةَ، فالدّنيا ليست سوى مرحلة، والآخرة هي الأساس.

وقد أشارت الأحاديث إلى ذلك عندما قالت: ”الدّنيا هي مزرعة الآخرة“، وفي حديثٍ آخر: ”إنَّ الله سبحانه قد جعل الدّنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملاً، لسنا للدّنيا خلقنا، ولا بالسّعي فيها أمرنا“.

وقد ندّد الله سبحانه بالذين يؤثرون الحياة الدّنيا على الآخرة، فقال: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

وقد جاءت الآية الّتي تلوناها في بداية الحديث، لتعزِّز الاهتمام بحياة الآخرة والعمل لبنائها، حين توجَّهت بالنِّداء إلى المؤمنين قائلةً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله، فهي توجِّه المؤمنين إلى أن يستعدّوا للحياة بعد الموت، ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، ليبقى السّؤال الماثل أمام الإنسان دوماً: ما الّذي تزوّدته لهذا اليوم؟ وماذا أعددت له؟ وهل سأكون من المحظوظين فيه ومن السّعداء؟! ومتى سيكون الرحيل؟!

وحتى يعزِّز الله في الإنسان الإحساس بالمسؤوليَّة، جاءت الإشارة منه سبحانه: ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، ليشعر كلّ إنسانٍ بأنَّ خطواته في الحياة وأهدافه هي تحت عينه ورقابته، وأنّنا إن غفلنا عنه، قإنّه لن يغفل عنّا.

فلنحاسب أنفسنا جيّداً، ولندقِّق في الحساب، حتى نثق بأنّنا في الاتجاه الصَّحيح، فلا نخدَع أنفسنا ونغشّها بأنّنا نؤدّي العبادات الواجبة، بينما لا يلقى من حولنا منّا أيّ خير أو عطاء أو بذل، بل على العكس من ذلك، فليتكامل إيماننا مع عمل الصّالحات، ولنعمل على أن لا يكون هناك تقصير في أيّ من تلك الطّاعات، ومن ثم، فلنعمل على أن يحاسب الإنسان نفسه على ما عمله، وقد ورد في الحديث: ”حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء المفروض عليها“.

لقد وضع الله سبحانه وتعالى من خصائص الموت ما يجعل الإنسان يفيق من غرور وجاه الدنياويذكره بقدرة الله سبحانه وتعالى، فأخفى الله موعد الموت

لماذا؟؟ حتى يتوقعه الإنسان في أية لحظة..

فكلما اغتر تذكر انه قد يفارق الدنيا بعد ساعة أو ساعات فرجع عن غروره، ورجع إلى الله سبحانه وتعالى. وكأنه حاملاًكفنه معه أينما ذهب وحل، ولو كان الله قد أعلم كلا منا بأجله لعصينا الله.. وطغينا في الحياة..

وظلمنا الناس.. ثم تبنا واستغفرنا قبل موعد الأجل بأشهر..

في هذه الحالة تنتفي الحكمة من الحياة. وإخفاء الله سبحانه وتعالى موعد الموت هو إعلام به.. ذلك أن إخفاء الموعد يعني أن الإنسان يتوقع الموت في أي لحظة.. ولذلك فإنه إذا كان عاقلا تكون عينه على الدنيا،

وعينه الأخرى على الآخرة.. فإذا ارتكب معصية فهو لا يعرف هل سيمد الله أجله إلى أن يرتكب المعصية ويتوب..

أم أن أجله قد يأتي وقت ارتكاب المعصية، فلا يجد الوقت للتوبة. وما يقال عن المعصية يقال عن العمل الصالح.

فلو أن موعد الموت معلوم.. لأجل الإنسان العمل الصالح إلى آخر حياته.. ولكن الله يريد أن يكون الصلاح ممتدا طوال الزمن ولذلك أخفى موعد الموت.. ليعجل الناس بالأعمال الصالحة قبل أن يأتي الأجل.. فكان إخفاء الموعد فيه رحمة من الله للبشر..

فهل تنتظر لحظة الوداع حتى تتوب أو تعمل الصالحات وهل سيكون عندك وقت لذلك؟! ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ «34» الأعراف

اللهم اجعل خير اعمالنا خواتيمها،، وخير ايامنا يوم نلقاك فيه.