آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

إذا عمل أحدكم عملا

ياسين آل خليل

ما هو مُتْقن «مثالي» وما هو مقبول، شيئان مختلفان، والحديث عنهما كمن يحاول إيجاد الفرق بين الثرى والثريا. لكل منّا عمله أو صنعته التي ارتضاها واحترفها لسنين ويعلم علم اليقين إذا كان متقنًا لتلك الصنعة أو أنها حرفة لكسب العيش ليس إلا. تختلف الناس كما المؤسسات في نظرتهم لتأدية الأعمال المناطة إليهم، فالبعض ينظر الى وفرة الإنتاج وتحقيق أكبر قدر ممكن من الربحية على أنه الهم الأكبر. البعض الآخر، على النقيض، يجد ضالته في التركيز على جودة المنتج أو الخدمة المقدمة، ويعتبرها قيمة مضافة، على المستهلك أو متلقي الخدمة أن يدفعها لحصوله على منتج فاخر ذو جودة عالية يفوق غيره من المنتجات.

نسمع الكثير عن الجودة فما هي وماذا تعني لنا؟

الجودة في العمل هي الإتقان في التنفيذ والإخراج بمواصفات عالية لأي مُنتج أو خدمة يقدمها فرد أو فريق أو مؤسسة، بما فيها جودة الأداء والتي تم الاعتراف بها كثقافة في بيئة ريادة الأعمال. ثقافة جودة الأداء تحولت اليوم الى شرط أساسي مهم لتحقيق ميزة تنافسية مستدامة من خلال استمرار تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة. إنجاز المهمات ضمن حدود زمنية محددة هو من ضوابط الأداء والتي يسعى مديري الأعمال أن يتقيدوا بتنفيذها، شرط أن لا تتأثر الجودة بشكل ملحوظ، قد يؤثر في النهاية سلبًا على رضا العملاء ومتلقي الخدمات.

الأمثلة المتعلقة بالجودة كثيرة ولا حصر لها، لكن في هذه العجالة سأكتفي بعرض واحدة منها، لتبيان أهميتها في حياة الأفراد والمجتمعات، وأنه لا غنى عنها إذا ما أراد كل منا أن تحوز أعماله على القبول والرضا والسمعة الحسنة. المثل تدور قصته حول كاتب أراد أن يوصل مقالته لقرائه ومحبيه قبل نهاية عطلة الأسبوع، وقد انتهى من كتابة مسودته، لكنه توقف لتأدية أعمال دخلت على أجندته اليومية، والتي لا تقل أهمية عن المقالة، وأنه لا يمكن تأخيرها هي الأخرى. بعد ثلاث ساعات ونيف قضاها بعيدًا عن مقالته، رجع اليها ليكتشف أنه لا يمتلك إلا دقائق قليلة قبل الموعد الذي وضعه لنفسه لينجز تحرير كتابته. مسودة المقالة لم تكن بتلك الجودة التي تعود أن تكون عليها مقالاته السابقة، ويؤلمه أن يرسلها لمحرر الصحيفة على ما تحويه من أخطاء نحوية، فضلًا عن الأخطاء الإملائية. هل يبدو ذلك مألوفًا في بيئتنا الحاضرة، وكم هي نسبة الأفراد الذين ينظرون الى جودة أعمالهم على صغرها، بقدر ما يتطلعون الى إنجاز ينهي المهمة الملقاة على عاتقهم بأي كيفية كانت؟

الأفراد المتصفين بالمثالية والحريصين على تأدية أعمالهم بإتقان، عادة ما ينحون هذا المنحى لاهتمامهم بتفاصيل ما ينتجونه، واعتقادهم بوجوب إتقان أي عمل يقع في أيديهم. هذه الشريحة من الناس، على قلتها، تتمسك في أن تكون أعمالها متقنة ولو كان على حساب الوقت، فهي بكل بساطة تؤثر أن تتواضع في الإنتاج الكمّي بعض الشيء، لترتقي بالكيف الذي ترى فيه روح العمل وجوهره. الفيلسوف الفرنسي فولتير يقول ”الكامل عدو الجيد“. درس صعب، ليس من السهولة أن يتعلمه البعض، إما لخوفٍ من الفشل، أو عدم ثقة بالنفس وبأنها ليست في مقام من يقبل التحدي ويصر على النجاح. أو أن الأمر لا يتعلق بهذا ولا ذاك بقدر ما هي مقارنة النفس بالآخرين، وأن هذه الشخصية بكامل وعيها وإدراكها قد اختارت لنفسها بأن تكون في موقع المثالية، وأن يراها الآخرون على هذا النحو؟

قليل من الجودة ليست بالأمر السيئ عندما تخلق لدينا معايير نقتدي بها في تأدية أعمالنا اليومية. بشيء من الوعي والمعرفة والحرص الدائم على تحسين الأداء، من شأنه أن يدفعنا خطوات إلى الأمام للارتقاء بجودة كل ما يخرج من أيدينا من أعمال، مقتدين بقول المصطفى محمد ﷺ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حسين عبدالعال
[ السعودية ]: 31 / 3 / 2019م - 8:18 م
ياريت الناس تطبق كلامك كان صرنا بخير