آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

مرتفعات الجولان في الواجهة

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

لم تمض سوى ثلاثة أسابيع، على تقدم عضوين في الكونجرس الأمريكي، بطلب موافقة الكونجرس، على قرار الاحتلال الصهيوني، بضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، للأراضي «الإسرائيلية»، حتى يفاجئنا الرئيس ترامب، بالتحاقه بجوقة المطالب ببقاء الجولان تحت سلطة الاحتلال، باعتبارها جزءاً من الأراضي «الإسرائيلية».

وكما قوبل قرار الكيان الصهيوني عام 1981، بضم المرتفعات بالشجب والرفض والاستنكار، وصدور قرار عن مجلس الأمن الدولي، يعتبر القرار «الإسرائيلي» لاغياً، ومخالفاً لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، فإن رفض قرار ترامب من قبل المجتمع الدولي، كان شاملاً وكاسحاً. رفضت روسيا والصين والاتحاد الأوروبي القرار، واعتبرته انتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة، وخروجاً على المعايير الدولية، وفي الوطن العربي، اتفق الجميع على إدانة القرار. لكن المعضلة، أن الصهاينة، لا يكترثون بتلك الاحتجاجات، طالما تقف خلفهم الإدارة الأمريكية. وأيضاً طالما أن الرفض لتلك التصريحات لا يتعدى الاحتجاج وإبداء الغضب والرفض.

في موضوع تأييد غطرسة «إسرائيل» ونهجها العنصري التوسعي، داخل الولايات المتحدة لا يوجد فرق كبير بين أعضاء جمهوريين أو ديموقراطيين، فكلا الحزبين، يتنافسان على كسب ود اللوبي اليهودي، ويمنحان المشاريع الصهيونية العدوانية، تأييداً غير مشروط. وبالمثل، لا يمكن التعويل، على أي تغيير في موقف الكونجرس الأمريكي، ينتج عنه موقف متوازن تجاه صراع العرب مع الصهاينة.

الشعب السوري، قال كلمته الرافضة بقوة، للخطوات «الإسرائيلية» تجاه جزء عزيز من الأراضي السورية، وأعلنت حكومته أنها ستستخدم كل الوسائل المشروعة، لتحرير الجولان، بما في ذلك القوة العسكرية، لكن أوضاع سوريا حالياً، بعد الأزمة المريرة التي شهدتها، في العشر سنوات المنصرمة، تجعل من العصي خوض معركة عسكرية، لتحرير الأرض. فمثل هذه المعركة، تتطلب تصحيحاً في موازين القوى، وهو ما لا يبدو ممكناً في ظل الظروف التي تعيشها سوريا.

إذن فالمطلوب، هو تكثيف الضغوط، من قبل العرب جميعاً وأصدقائهم، على الكيان الغاصب، وحليفه الأمريكي، للقبول بشرعة الأمم، والخضوع لمبادئ الأمم المتحدة والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.

لقد كان تشكيل عصبة الأمم، بعد الحرب العالمية الأولى، وتأكيد مبادئها على رفض الاستعمار، والاحتلال، والتأكيد على حق تقرير المصير، من أهم المكتسبات التي حققتها البشرية. وجاء تأسيس هيئة الأمم المتحدة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليؤكد ميثاقها، على ذات المبادئ التي تبنتها عصبة الأمم.

إن العالم الحر، أمام تحد مصيري، نتيجة إصرار الرئيس الأمريكي ترامب على إدارة ظهره، للقرارات الأممية، وخرقه للمعاهدات الدولية، وتأييده اللامحدود للنهج العدواني «الإسرائيلي» ضد الأمة العربية، ومصالحها المشروعة، وفي مقدمتها استرداد الأراضي التي احتلها العدو «الإسرائيلي» في حزيران/ يونيو 1967م.

لقد قبل العرب، دون استثناء بالكثير من المشاريع الأممية، التي هي ضد مصالحهم، استجابة للقرارات الأممية. قبل العرب بحل الدولتين، رغم أن ذلك في الصميم يمس الحقوق الفلسطينية، والكرامة القومية. ودخلت دول الطوق مرات عديدة، في مفاوضات مباشرة، وغير مباشرة، مع الكيان، برعاية أممية أحياناً، ووساطة الولايات المتحدة في معظم الأحيان، على أمل التوصل إلى حل عادل ومتوازن، يحفظ الحد الأدنى من الحقوق العربية. لكن تلك المفاوضات كانت دائماً تنتهي على حساب الحقوق والمصالح العربية.

المرتفعات السورية، لم تكن تبعيتها للأراضي السورية، في أي من الأيام موضع جدل، من قبل المجتمع الدولي، بل كان ذلك موضع إجماع، دخلت على أساسه الحكومة السورية، في مفاوضات مع مستشار الأمن القومي، هنري كيسنجر، بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973م. دخلت سوريا في مفاوضات فصل القوات بين المتحاربين، واستعادت مدينة القنيطرة، كخطوة أولى على طريق تحرير جميع الأراضي السورية، وفقاً لمنطوق القرار الصادر عن مجلس الدولي، رقم 242، والتأكيد عليه مرة أخرى، بالقرار 338. ومرة أخرى، قبلت الحكومة السورية، دعوة وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، لحضور مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، على قاعدة الاعتراف بحقها في السيادة الكاملة على أراضيها، ومن ضمنها مرتفعات الجولان.

وبالمثل دخلت الحكومة السورية، في مفاوضات مع حكومة رابين، التي وافقت على الانسحاب من مرتفعات الجولان. وبقيت نقطة خلافية حول ضفة بحيرة طبرية، التي رفضت «إسرائيل» أن تكون ضفتها الشمالية ضمن الحدود السورية. لكن رابين قبل اغتياله، أبلغ الرئيس الأمريكي بل كلينتون، موافقته على ذلك، فيما بات معروفاً ب «وديعة رابين».

إن الحديث عن ضم الجولان السورية، للكيان الغاصب، هو نسف لكل مبادرات السلام، بما في ذلك المبادرات الأمريكية السابقة، والمبادرة العربية، التي أقرتها القمم العربية، وهو إعلان حرب من الجانب «الإسرائيلي» والأمريكي معاً على العرب جميعاً، لا ينبغي التساهل معه. إن أي تفريط في الحقوق العربية، سينتج عنه تفريط في حقوق أخرى، في متواليات ليس لها نهاية. آن للعرب جميعاً أن يقولوا كلمتهم وأن يقفوا جميعاً في وجه غطرسة القوة وقانون الغاب.