آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

القادم حتما أفضل

ياسين آل خليل

هل أنت من النوع الذي ينجرف عبر الحياة دون أن يكون لديه وجهة محددة، أو شعور ببهجتها ومتعتها؟ الكثير اليوم للأسف قد شحنوا عقولهم بمعتقدات خاطئة وتصوروا الحياة على أنها تحدٍ مليئ بالبؤس والصعوبات الا متناهية، وأنها وصلت إلى حد لا يمكن التغلب عليها، وأن عليهم أن يتواروا خلف أقنعتهم التي صنعوها لأنفسهم، عسى أن تحتضنهم بيئتهم ويتعايشوا معها. هذه النوعية من البشر، دون شك، بعيدة عن الواقع وتعيش تحت رحمة الحياة وسيطرتها عليهم، بدلًا من أن تكون السيطرة بأيديهم ويخلقوا من دنياهم مكانًا رائعًا يستحق العيش.

لكن كيف لشخص بهذه البنية النفسية أن يقلب الطاولة ويستبدل تلك المعتقدات السلبية بأخرى إيجابية تمكنه من تغيير حياته الى الأفضل؟ من اللحظة الأولى وقبل كل شيئ، عليه أن يتخذ قرارًا استراتيجيًا، ربما يكون هو الأصعب ضمن مجموعة من القرارات التي عليه اتخاذها، لا أحد في هذا الكون يمتلك قرار شعورك الداخلي إلا أنت، وأن هذا أمرٌ يخصك ولا أحد يمتلك حق التأثير عليه بتاتًا. كل يوم في حياتك ستواجه مجموعة من الأحداث والممارسات، بعضها يكون في دائرة سلطتك الشخصية، وأخرى خارجة عن نطاق تأثيرك مما يجعل تفاديها شبه مستحيل. كونك جزء من تلك البيئة، بات التفاعل مع الأحداث التي تجري بالقرب منك أمرًا لا مفر منه. للأسف على صغر بعض الأحداث وتفاهتها، إلا أن ردة الفعل بالنسبة لك غير متكافئة مع الحدث ويغلب عليها طابع التضخيم، مما يجعلك في حالة سيئة لا تُحسد عليها وكأن السماء في نظرك ستنطبق على الأرض. أنت لست مضطرًا لأن تعير سمعك لكل همس هنا أو لمز هناك، تجاهل الكثير مما تسمعه وأغض الطرف بقدر المستطاع لتحافظ على ما تبقى من صحتك العقلية والنفسية، واعلم أنك لست مسئولًا عن تغيير وتصحيح كل ما يجري حولك.

لا تحاول أن تسعى ولو لوهلة من الزمن أن تكون شخصًا آخر غير الذي تعرفه، فقط لتجذب الناس من حولك. قد يكون لدى الآخرين قدرات ومواصفات غير تلك التي بحوزتك، لكن هذا لا يعني أن تقتبس شخصية أحدهم أو تستنسخها لتكون مقبولًا بين الناس. أنت أيضًا لديك إمكانيات، هي في مضمونها مختلفة عما لدى الآخرين، مما يجعلك فريدًا من نوعك، فلتكن لديك الشجاعة الكافية لتكون أنت كما أنت. هذا بدوره سيكون عامل جذب للآخرين، وتهيئة لحياة طالما حلمت أن تكون من نصيبك. أنت لا يمكنك أن تنجح إلا اذا آمنت بأنه يمكنك ترجمة ما يدور بداخلك من أفكار إلى واقع ملموس. امتلاكك اليقين الثابت والصادق بأن في حوزتك أدوات ومهارات، كفيلة بأن تصنع تلك الشخصية المتعددة المواهب والقدرات والتي يبحث عنها الآخرون ليتعلموا منها ويرتاحوا لقربها.

”عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به“. لا تنظر الى طيبتك على أنها ضعف في شخصيتك ولا تعر انتباهًا للأفراد الذين يسعون إلى تثبيطك وعرقلتك عن مواصلة طريقك. لا تتح لهؤلاء الأفراد فرصة لتغيير محتواك الطيب. ما يدريك، لعل هؤلاء الناس لا يتمنون لك الخير وربما هم في موقع الحاسد لك على ما أنت عليه من نعمة طيب المعشر والخُلُق الطيب. بكل بساطة، هذه الجماعة وجدت ضالتها في تغييرك أنت، بعد أن باءت بالفشل في تغيير ذواتها، فهل ستسمح لهم في تحقيق هدفهم، أو أنك ستحافظ على إيجابيتك لأنها الطريق الأوفر حظًا لكسب تلك الشريحة من البشر الذين لم تتلوث عقولهم بعد؟

في النهاية، اعلم بأن هناك هدف رباني لكل شيئ يحصل لنا في هذه الحياة، هذا يأخذني الى مقولة للكاتب والتر اندرسون وهو ذلك الفنان الذي أحب الطبيعة وعشق تفاصيلها وتعلم منها وأطّرها في لوحاته المُشْبعة بالإيحاءات والالهامات لحبه الكبير للرسم الذي يعادل حبه للتنفس. أندرسون يقول ”الأشياء السيئة تحدث، كيف أستجيب لها، هذا ما يحدد شخصيتي وجودة حياتي. يمكنني الجلوس في حزن دائم، جامدًا بسبب خسارتي الكبيرة، أو يمكنني اختيار الصعود من الألم مُقدرًا أثمن هدية لدي - الحياة نفسها“.

لا أحد من بيننا لم ينتابه شعور بأنه في وقت ما قد أضاع بوصلته فضلّ الطريق، أو انكسر لخسارة ما قد أصابته وكلفته الكثير من الجهد العقلي والنفسي والجسدي، لكنها بالطبع ليست نهاية الحياة. بشيء من التفاؤل والإيمان يمكننا تخطي العقبات. ليس هناك من شك بأن تحدي الصعاب هو الخيار الأذكى والأنجع للخروج من الأزمات بأقل الخسائر. المستقبل هو حليف أولئك الذين يستطيعون المزج بين العاطفة والعقل، والذين يمتلكون الروح الواثقة، المطمئنة، والمتفائلة بأن القادم حتمًا أفضل.