لأن الوقت لاينتظر
بقدر ما نضع قيمة للوقت، بقدر ما نضع قيمة لذواتنا والحياة التي وهبنا الخالق إياها، وبقدر ما نحتقر الوقت فإننا بالتالي نُسخّف من أنفسنا ونُصادر امكانياتها ونراها غير ذَات قيمة. الحياة قصيرة جدًا، وما هي الا تلك الدقائق والثواني التي لا نعيرها أي أهمية. لا يوجد هناك متّسع من الوقت نتغاضى فيه عن أشياء تهمنا أولًا وقبل كل شيئ، وأقل ما يمكننا القول فيها أنها أثمن العطايا التي حبانا الله إياها ودون مقابل يُذكر، وأي شيء أثمن من الحياة، وهي التي نقيس مداها بالسنين والأيام وما دونها! أحمد شوقي يقول:
"دقات قلب المرء قائلةً له: إن الحياةَ دقائقٌ وثواني،
فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها، الذِكرُ للإنسان.. عُمرٌ ثاني! "
كيف يمكن لذلك الذكْر أن يتحقق بلا عمل، بل كيف للعمل أن يتجسّد إلى واقع، إن لم نستثمر وقتنا ونخطط له قبل أن يتسلل ويتلاشى.
جون رون كاتب أمريكي يقول ”الوقت له قيمة تفوق قيمة المال، فأنت بإمكانك الحصول على المزيد من المال، إلا أنه لا يمكنك الحصول على المزيد من الوقت“. ألا يدعونا هذا وغيره الى أن ننظم أولوياتنا ونخطط لحياتنا لنجعل من كل دقيقة نحياها قيمة مُضافة، هي بمثابة شجرة مثمرة نغرسها لنسعد بها في دُنيانا، ويستظل بها من يأتي بعدنا.
كم مرة تجد نفسك تائهًا في فضاء المجهول وأن الوقت ينفذ منك، وأنه لا يوجد ما يكفي من الوقت للقيام بكل ما تريد عمله؟ عندما تكون مشتت الفكر، تعمل هنا لدقائق ثم تقفز دون وعي لتقوم بعمل آخر دون برمجة مُسبقة أو تحديد لأولويّة، يتحول العمل الى فوضى، حيث تتبعثر الطاقات دون أن يكون هناك من إنجاز يُحسب لأي طرف. الإدارة الفعالة للوقت تساعدك على اختيار أي الأعمال عليك أن تبدأ ومتى. من الضروري بمكان أن تبادر وتُفعّل خططًا لتنظيم وقتك اذا ما كنت ترغب في تحقيق هدف ذَا قيمة حقيقية لذاتك أولًا، وللمجتمع والوطن في نهاية المطاف.
إن من أسوأ الأشياء التي تلازمنا كأفراد ومؤسسات أننا أناس لا نخطط، وإن خططنا فإننا نسيئ التخطيط، لذلك من الطبيعي أن تكون النتائج النهائية لأعمالنا مغايرة لتوقعاتنا. إذًا ما العمل.. هل نرفع الراية البيضاء معلنين استسلامنا، أو أن هناك فعلًا شيئًا ما في الأفق يمكننا فعله لننتشل أنفسنا من هكذا معضلة؟ بعض الخطوات البسيطة والتعديلات في عملية التخطيط من أساسها، كفيلة بأن تُقّوم مسارنا وتوصلنا الى مبتغانا. قبل كل شيئ علينا أن نقرّر بالضبط ماذا نريد.
واحدة من أسوأ استخداماتنا للوقت، هي قيامنا بتأدية عمل ما بإتقان، لنكتشف لاحقًا بأننا لم نكن مُلزمين بتأدية ذلك العمل على الإطلاق، وأن هناك ما هو أكثر أهمية. كان الأولى بنا في المقام الأول، أن تكون لدينا أجندة مكتوبة بالأعمال التي نريد القيام بها، على أن نكون قد حددنا موعدًا نهائيًا لكل هدف قد خططنا له ووضعناه نُصب أعيننا في خطة عمل مدروسة مسبقًا.
هل تنتهي القصة عند هذا الحد؟ بالطبع لا. علينا تقديم قائمة بجميع خطوات العمل الضرورية لإنجاز كل هدف من أهدافنا، ورصد المصادر والطاقات اللازمة بدقة حتى يسهل متابعتها من البداية الى أن نصل بالهدف الى مرحلة الإنجاز التام. التنفيذ هو محور العملية التنظيمية، وبدونه يتحول التخطيط الى عبثية مصيرها النهائي الفشل. إدارة وقتنا بفاعلية يتطلب منا التمييز بين ما هو مهم وما هو عاجل. سوء إدارتنا للوقت، كثيرًا ما يؤدي إلى تقاعسنا وإخفاقنا في تنظيم أمور حياتنا، لذلك وقبل كل شيء علينا التخلص من تلك الفوضى التي تسيطر على معظم مفاصل حياتنا. من أولويات ألف باء المعرفة بالوقت والتخطيط، أن يكون لدينا وعيٌ ذاتي برعاية حالتنا البدنية والعقلية والاستثمار فيها. أولويات الرعاية الذاتية مفهوم متجدد يتغير حسب المكان والزمان ونمط العيش لكل فرد، إلا أن أهمها يتمحور في تحديد وقت للاسترخاء وتجديد النشاط جسديًا وعقليًا لتأهيله للعمل مجددًا في عملية دؤوبة ومتجددة من التخطيط والبرمجة التي لا تكاد تكتمل أو تصل الى منتهاها، لأن الوقت لا ينتظر.