النزعة الاستهلاكية
لا شك بأن للإعلانات التجارية، والتي تبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، والإنترنت، ووسائل الاتصالات الحديثة بشكل عام، دوراً فعَّالاً في الترويج للسلع والبضائع، لما لها من تأثير كبير على الجمهور، من خلال ما تبُثُّه من رسائل تستهدف إقناع المتلقي/المستهلك بشيء ما، ومحاولة تغيير اتجاهه وسلوكه الذاتي، والتأثير في قراراته الفردية والشخصيّة.
وتأتي أهمية الإعلان من التأثير النفسي الكبير الذي يتركه على المتلقي، وخصوصاً على المُشاهد للوسائل المرئية، وإثارة دوافعه النفسية لشراء منتج معين، وإقناعه بأهمية تفضيل هذا المنتج على غيره من المنتجات، رغم وجود خيارات واسعة أمامه. فمع وجود أشكال عديدة لسلع متشابهة تزداد المنافسة بين المنتجين لترويج بضائعهم، والتأثير على المستهلك لدفعه لاختيار وشراء سلعة ما دون غيرها.
وحسب تعريف سالم سعيد باعجاجة، أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف، فإن ”الإعلان هو نشاط يهدف إلى التأثير على المستهلك، أو «الجمهور»، لحثه على شراء منتج، أو طلب خدمة، أو تقبُّل فكرة، اعتماداً على معرفة بنفسية هذا المستهلك وعقليته وطرق التأثير عليه لإقناعه «أو بالأحرى لدفعه بوعي، أو بدون وعي» للقيام بسلوك استهلاكي معين، أو لقبول فكرة معينة. والغاية بالطبع هي فائدة صاحب السلعة أو الخدمة، الذي يدفع لمؤسسة تقوم هي بتقديم فكرة الإعلان والترويج له بغض النظر عن قناعتها بفائدة هذه السلعة أو ضرورة هذه الخدمة أو صوابية هذه الفكرة أو خطئها، فالمهم عند هذه المؤسسة هو المبلغ الذي يدفعه صاحب السلعة أو الخدمة أو الفكرة. وكذلك فإن المُعلن يقدم هذا المال لهذه المؤسسة ليحقق غايته التي يسعى إليها وهي التأثير على المستهلك لحثه على تصرُّف ما يحقق له الفائدة، سواء المادية، أم المعنوية“. [1]
ويندرج في هذا السياق تأثير الإعلام الرقمي بأشكاله المختلفة في السلوك الاستهلاكي للأفراد، حيث أدت التطورات العالمية في مجال تكنولوجيا الاتصال إلى تقدم هائل في التقنية الإعلانية، والتي أضحت متحكمة في العملية الإنتاجية من حيث أنماط التسويق والعرض والاستهلاك، إذ يتم استخدام المعاني والصور والرموز، كالموسيقى والغناء والفيديو كليب، بهدف نشر ثقافة الاستهلاك، وإسباغ أسلوب مميز عليها يرسخ النزعة نحو الاستهلاك والرغبة في الشراء.
وعلى هذه الخلفية نفّذت طالبات في ”كُليّة العلوم التطبيقيّة في جامعة عبرى“ بسلطنة عُمان، مشروعاً بحثيّاً موسّعاً عن ظاهرة السلوك الاستهلاكي، حيث عملت الطالبات على دراسة النزعة الاستهلاكيّة للمجتمع الطلابي في الكُليّة. وتناول بحثهن التأثير الكبير لوسائل الإعلام في تشكيل ”المجتمع الاستهلاكي“. واستهدفت الدراسة عيّنة من ثلاثين طالب وطالبة من مراحل دراسيّة متنوّعة في تلك الكُليّة.
ولمست الدراسة أن ما تظهره وسائل الاعلام يؤثر في تفكير الأفراد وسلوكياتهم، عبر ما يظهره في الدعاية، والدراما، والأفلام، والتي تلعب بمشاعر الأفراد وتضغط على حاجاتهم، كما توجّه مطالبهم ومشترياتهم. إضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة أن النساء أكثر تأثّراً بوسائل الإعلام، وهن أشد اهتماماً بمتابعة الموضة والتسوق. وتبيّن أيضاً أن المسلّسلات والأفلام والدعاية الموجّهة، تمتلك تأثيراً كبيراً على اتّخاذ القرارات المتعلّقة بالشراء. كما لاحظت الدراسة أن التسوّق يشكّل أحد وسائل التغلّب على الاكتئاب.
وحول العلاقة بين وسائل الإعلام وسلوكيات المستهلك، فإن الكثير من المستهلكين يتأثّرون بما يشاهدونه في وسائل الإعلام، عند تحديد ما يرغبون في امتلاكه. وبيّنت الدراسة ذاتها أن هناك أسباباً متنوّعة تستطيع التأثير في تشكّل مجتمع الاستهلاك، مع وجود دور بارز لوسائل الإعلام في ذلك. وعلى سبيل المثال، تؤثر المسلسلات على الناس في شكل غير مباشر لجهة تفكيرهم وأذواقهم، خصوصاً فيما يتعلّق بشراء أشياء غير ضرورية. ومن الأمثلة الخاصة بالمجتمع العُماني، هناك نزعة لدى الأفراد إلى تغيير الأشياء من دون أسباب ظاهرة، على غرار تغيير الهواتف النقّالة، والحاسوب، والأثاث المنزلي، والسيّارات، وغيرها". [2]
وعليه يصعب تجاهل ما يتركه الإعلام والدعاية والإعلان من أثر في سلوك الفرد وعاداته وتوجهاته واختياراته، بل ونمط حياته بشكل عام. لذلك نجد في بعض المجتمعات من يُدمن على تغيير مقتنياته الشخصية أو المنزلية بشكل مبالغ فيه، وينساق نحو الدعايات التي تعرض هذه المنتجات بشكل جذاب، بغض النظر عن مبدأ الجودة أو القيمة الحقيقية للسلع المعلن عنها، ومن دون التفرقة بين السِلَع الضرورية وغير الضرورية، وكأن التسوق والشراء أصبح بحد ذاته مجرد نوع من المتعة والتسلية والترفيه.