آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

هل الإعلام الجديد مصدر للمعرفة؟

ابراهيم الزاكي

لا تتوقف أجهزة الاتصال الحديثة عن الرَّنين المستمر في إشارة إلى وصول رسالة جديدة، حيث لا يكُف حاملي هذه الاجهزة عن النظر إلى شاشات أجهزتهم، ومتابع ما يأتيهم من رسائل وصور وفيديوهات، ومن ثم إعادة ارسالها. وربما تجد البعض منهم، وهو يبتسم مع نفسه، أو يضحك بصوت مرتفع، وهو يقول لك هل سمعت هذه النكتة، أو سمعت آخر خبر، أو هذا الخبر الجديد.

وهكذا يمضي يوم مستخدمي هذه الأجهزة متنقلين من رسالة إلى أخرى، ومن خبر إلى آخر، بحثاً عن الإثارة، والطرائف، والنكات، والتسلية، والترفيه، ومتابعة آخر الأحداث والتطورات، حيث أصبحت وسائط الاتصال الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي، تضج يومياً بآلاف الرسائل، والصور، ومقاطع الفيديو، حول مختلف الموضوعات. والتي يحمل الكثير منها في طياته طابع الإثارة، أو التسلية والترفيه، كونها هي الأكثر جذباً للقراءة والمشاهدة والمتابعة مقارنة بالمواد الأخرى ذات الطبيعة المعرفية والثقافية الجادة.

بالإضافة إلى ذلك ربما تحتل المواضيع الإخبارية اهتمام آخرين من مستخدمي هذه الأجهزة من خلال متابعة الأخبار والأحداث المتسارعة، والتي عادة ما تُداع وتُبث على شكل لقطات، قد يكون بعضها مؤثراً تبعاً لطبيعة الحدث والغرض من بثه، والذي قد يبث بشكل مختصر ومبتسر وغير موضوعي، ومسلوخاً عن سياقه، ومنحازاً لطرف، أو لجهة ما، بهدف شد عصب الناس لأغراض الإثارة والتحريض والتجييش، وبعيداً عن سياق الحدث التاريخي والسياسي ومسبباته وأبعاده وخلفياته الموضوعية.

وهكذا عندما يعيش الإنسان طوال يومه قارئاً ومتابعاً ومشاهداً من على جهازه، أو من خلال حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة، هذه الرسائل والصور، أو اللقطات والمقتطفات المبتسرة، السريعة والمتتالية، حول كثير من الأمور والقضايا المختلفة والمتنوعة، ومن ثم الانفعال والتفاعل معها وإعادة نشرها وترويجها من جديد، فإن ذلك لا يترك فرصة للمتابع كي يستوعب ويتأمل، أو يفكر ويتبصر، فيما يأتيه من معلومات، ومن ثم تحديد رأيه وموقفه منها بشكل موضوعي، وكأن المطلوب من المتلقي استقبال المعلومة وتصديقها كما هي من دون أي تساؤل أو تفكير.

لا يقتصر محتوى الرسائل المتداولة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وأجهزة الاتصال، على الدردشة والتسلية والنكات والسخرية، أو المواضيع الدينية والرياضية والصحية والفنية والإخبارية، بل تتضمن أيضاً محتوى عنفي حقيقي من خلال تداول مشاهد عنفية شديدة الفظاعة، وملتقطة لأعمال عنف مختلفة الأسباب والمصادر، أو التي تصاحب الأحداث والتطورات الجارية في أكثر من مكان في هذا العالم، وما يجري خلالها من أعمال تفجير وعنف وقتل ودمار تُخلِّف مآسي إنسانية مؤلمة.

وعليه فإن هذا الكم الهائل من المعلومات والإثارة والعنف والصور المتدفقة عبر الأجهزة الحديثة يأتي على حساب التراكم المعرفي الجاد، والتحصيل الثقافي البنّاء. وبالتالي فهو على حساب النشاط العقلاني المتبصر، وقدرة العقل على الاستيعاب والفرز والتفكير والتحليل المنطقي وممارسة النقد الذي تحتاجه الأجيال الشابة اليوم أكثر من أي وقت مضى لمجابة تحديات الحاضر، ومتطلبات الواقع، ومواجهة صوادف الزمن وتقلباته، والقدرة على التعامل معه بكفاءة واقتدار وموضوعية، لا الانجرار خلف ردَّات الفعل العاطفية المتوترة، والحماسة المغلفة بغلاف ديني أو عنصري، والانسياق خلف دعوات الغلو والكراهية.

لذلك لا ينبغي لنا تجميد عقولنا وتعطيل استخدامها، والانجرار خلف عواطفنا، أو التخلي عنها وتسليمها للآخرين كي يفكروا نيابة عنا، وتركهم يصيغوا آرائنا ويقرروا نيابة عنَّا، ومن ثم توجيهنا كيفما يشاؤون، بوعي وحسن نية منَّا، أو كرهاً ورغماً عنَّا، فرأس مال الإنسان عقله الذي كرمه الله به، وميزه عن غيره من المخلوقات، ليكون هو المسؤول عن نفسه، وصاحب قراراته واختياراته بمليء إرادته.

إن هذا التقدم التقني الرائع يمكن أن يكون في خدمة الإنسان ومصالحه، وفي صالح التقدم البشري، عندما يستغل بالشكل الصحيح، إلا أن المشكلة هي في هذا الكم الهائل من المعلومات الكثيرة المعروضة على شاشات هذه الأجهزة، والتي تتدفق كالطوفان المنهمر، فتؤدي إلى تشويش العقول، وحجب الرؤية عنها، وإضاعة الأوقات وهدرها من دون فائدة، إذ يمكن أن تضيع الحقيقة مع هذا التدفق اللامتناهي، خصوصاً حين تكون المعلومات الواردة عبر هذه الوسائط مزورة وغير صحيحة، وموضوعة بطريقة تخدم أجندات خاصة ومغرضة وغير نبيلة، أو تخدم أغراض تجارية وترويجية وتسويقية مختلفة.