الموظف بين العصا والجزرة
كان الناس قديما يحثون الحمار - أعزكم الله - على السير إما بتعليق جزرة على عصا أمامه ليركض خلفها محاولا الحصول عليها أو بضربة بالعصا لإجباره على الحركه، ومن هنا جاء مبدأ العصا كرمز للعقاب والجزرة كرمز للمكافأة أو الثواب. وكثيرا ما تستخدم سياسة الترغيب أو الترهيب هذه في المدارس والشركات وحتى في المنازل، حيث يستخدمها أصحاب النفوذ بمختلف أنواعهم لخلق ضغط على من هم تحت سلطتهم.
وفي الحياة العملية تتمثل الجزرة في الجوائز المادية أو المعنوية مثل الترقيات، الزيادات، البدلات، العمولات، أو خلق مزايا وظيفية مثل التعاقد مع بعض المؤسسات لتقديم خدمات مجانية أو خصومات خاصة لموظفي الشركة. أيضا توفير التدريب داخل أو خارج الشركة وإعطاء الفرص للموظفين للارتقاء في وظائفهم وتمكينهم من المشاركة واتخاذ القرار. بينما تتمثل العصا في الإجراءات الجزائية من لفت نظر شفهي أو خطي، خصم مادي وتتدرج حتى الإقالة من العمل.
ومن مميزات الجزرة تحفيز الموظفين على الإنتاج، الابتكار والإبداع مع تعزيز شعورهم بالولاء للشركة وبالامتنان مما يؤدي لصعوبة تفكيرهم في الاستقالة، ودفعهم للجدية في العمل وغزارة وتميز الإنتاج. ومن مساوئها أنها تشكل أعباء مالية على الشركة، وأيضا عدم تأثير المكافآت القليلة أو غير المرضية على الموظفين.
وبالمقابل، فإن مميزات العصا أنها تجبر الموظف على التقيد بالأنظمة والقوانين والعمل لتفادي العقاب. بينما تتمثل مساوئها في تعرض الموظفين للضغوط النفسية والعصبية، مما يؤدي لنتائج سلبية سواء للموظف أو الشركة والذي يقود لعدم الإحساس بالولاء أو الرضا عن الشركة ويتسبب في قيام الموظف بعمل الحد الأدنى من المطلوب منه، التوقف عن العمل أو البحث عن وظيفة أخرى وفقد القدرة على الإبداع في كل الأحوال.
لا شك في أن إدارة الشركات وموظفيها ليس بالأمر الهين، وأن الإدارة الناجحة هي التي تستطيع أن تحقق أهدافها بفعالية وكفاءة وبدون أن تخسر أيا من مواردها النشطة والمهمة، ومما لا شك فيه أيضا أن الموظف هو أهم تلك الموارد. حقيقة أن الإدارة الذكية هي التي تستطيع الموازنة بين الثواب والعقاب واستخدامهما الاستخدام المناسب، في الوقت المناسب ومع الموظف المناسب كل حسب شخصيته. فالإدارة الناجحة ليست هي التي تدفع موظفيها للعمل فقط بل وللأداء العالي والإنتاج المتميز والإبداع.
ووفقا لبعض الدراسات في علم السلوك، فإن كان الهدف دفع الموظفين للقيام بعمل ما، مثلا كالعمل لساعات إضافية فإن الوعود بالمكافآت هي الطريقة الأمثل والعكس صحيح، إن كان الهدف هو منعهم من القيام بعمل ما كتسريب معلومات هامة عن الشركة أو إساءة استخدام مواردها فإن التهديد بالعقاب هو الأكثر نفعا.
ختاما.. نقول إن الإدارة التي تحترم إنسانية موظفيها، حياتهم وطموحاتهم قد أثبتت فعاليتها خصوصا بعد التيار الجديد الذي ينادي بعدم استخدام العصا إلا للضرورة وإنتاج جزر أكثر، سواء بالبحث عن شركة أكثر تفهُما لحاجاتهم وتقديرا لكفاءاتهم والحصول على وظيفة أكثر ملاءمة لهم، أو بالعمل الحر، ومن ثم المشاركة الواعية في إعادة بناء الثقافة الاقتصادية الواعدة التي تعود بالخير والثراء على الفرد، وعلى مجتمعه وبلده.