آخر تحديث: 22 / 12 / 2024م - 1:27 م

سلوكك مفتاحك الذهبي

ياسين آل خليل

كثيرًا ما نسمع بأن فلانًا يمتلك موهبة جعلته في مقدمة الناجحين. نعم هناك نسبة من الصحة في تلك المقولة، ونؤكد دائمًا أن الموهبة تلعب دورًا فاعلًا في تهيئة البيئة الخصبة للنمو والتطور في معظم المجالات، لكنها لا يمكنها بذاتها أن تنفرد بالمشهد أو الدور كله لتحقق أحلامك وتوصلك لمبتغاك. هناك عوامل أخرى ليست بأقل أهمية من الموهبة يجب توافرها في شخصيتك لكونها تلعب دورًا رياديًا في صقل وتهذيب الفرد لتمكنه من طرق أبواب النجاح والدخول إليها بثقة وطمأنينة.

الكاتب والمتحدث الأمريكي زقلار يقول ”سلوكك لا موهبتك هو الذي يحدد ارتقاءك“. أما الشاعرة مايا أنجيلو فتقول ”إذا لم يعجبك شيئًا فغيرة، فإن لم تستطع فغير سلوكك“. الإنجازات لا تتحقق بالرغبات ولا بالتمنيات ولا حتى بالدعوات وحدها. ربما تكون لديك القدرة اللغوية على التعامل مع المفردات وصياغتها بأسلوب رائع وبديع لكنك لا تمتلك الشجاعة الذاتية والثقة اللازمتين لكتابة مقالة واحدة، بل وتشعر بالعجز والتراخي وعدم القدرة على جر قلمك ليكتب ما يمليه عليك عقلك، لتنكمش في حينها وتقعد ملومًا مدحورا.

وقد تمتلك المؤهل العلمي الذي يضعك في مقدمة الصف بين أفراد مجتمعك، لكن عندما يحمى الوطيس وتشتد الحاجة إليك تكتشف في قرار ذاتك بأن المسئولية المناطة إليك أكبر بكثير من تحصيلك الأكاديمي وأنك بكل بساطة لست الشخص المناسب لتلك المهمة. نعم هناك أفراد كثر دخلوا معترك الحياة واكتسبوا منها الكثير من المهارات والخبرات وربما لم يحتاجوا إلى شيئ مما تعلموه على مقاعد الدراسة. هنا تكتشف أن المؤهل العلمي أو الشهادة الجامعية لم تكن إلا مفتاحًا يتيمًا بالكاد تمكن من فتح الباب الأول لحياة عملية تتعدد فيها الأبواب وتتنوع المفاتيح غير أن لكل مفتاح خاصية ومكانة تنفرد به دون غيره فيما يتناسب والحاجة إليه في المكان والزمان.

أحد تلك المفاتيح وربما يكون أهمها هو مفتاح السلوك البشري، هذا المفتاح الحيوي الذي ترتكز عليه معظم مخرجات تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين والأحداث التي تواجهنا والتي من خلالها تتحدد الكثير من النتائج والكثير من الأعمال في جودتها وقدرتها على البقاء في الظروف المتغيرة ومتطلبات العصر المتجددة. في واقع الحال معظم الناس لا يمتلكون مستوى عال من الوعي الذي يجعلهم يتحوطون بما يتطلبه العصر من أدوات ومهارات تسمح لهم بأن يكونوا في موقع قيادة الذات والتحكم في إدراكها بالعالم من حولها وكيفية التفاعل مع متغيرات متطلبات الحياة بأريحية وثقة وبلغة العصر التي يفهمها رجالات الأعمال على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم.

الحوار الداخلي الذاتي يلعب دورًا محوريًا في بلورة أفكارنا ونظرتنا للأشياء ومنها سلوكنا مع محيطنا وما يحويه من بشر وما دونه. هذا يجعل كل منا بين خيارين، خيار ذلك الحوار الداخلي الإيجابي المحفز للذات والدافع لها، أو ذلك المثبط والداعي للهزيمة. الجميع معرض لمواجهة العديد من المواقف الصعبة والكثير من إيذاء المشاعر ووجع القلب. كل هذا وذاك ليس بالأهمية بمكان. الحل يتركز في اختيار طريقتنا المثلى في الرد.

أنت بإمكانك أن تعمل في صالحك أو ضد ذاتك. هذا التمكين لا يتجسد واقعًا تعيشه في كل لحظة إلا إذا جعلت من صوتك الداخلي وأنت تتحدث مع ذاتك، حديثًا هو الأعلى نبرةً بين الأصوات والأكثر تأثيرًا. ليس سرًا أن الحياة تكافئنا أكثر عندما نقترب من العالم ونحن أكثر إيجابيةً وتفاؤلًا وشعورًا بأن القادم أفضل. سلوكك هو الذي يجعل موقفك إيجابيًا أو سلبيًا لدى الآخرين. لقد حان الوقت لكي تدرك بأنك قادر على التحكم في طريقة تفكيرك وشعورك. كما أنه عليك أن تؤمن أيضًا أنه ليس بإمكان أي شخص آخر على الأرض أن يمتلك تلك القوة بداخلك إلا إذا أعطيته إياها بطواعيتك وطيب خاطرك.. الخيار خيارك.

سيطرتك على سلوكك وحالتك الذهنية تجعلك تسيطر على نتائج أعمالك. عليك فقط أن تحافظ على توازنك النفسي وواقعيتك مع الآخرين. عليك أن تقف شامخًا حاملًا تلك الروح المؤمنة، المتسمة بالمرح والراضية عن كل تطلعاتها للمستقبل بيقين وإدراك بإمكانية تحقيق أهداف المستقبل وبأن جميع الصعوبات يمكن حلها. كلما خططت وبنيت لنفسك قواعد متينة من المهارات الذاتية والقدرات كلما تمكنت من التصدي لتحديات الحاضر والمستقبل.