الإمام الحسين... روحٌ إيمانية
قد تعصف بالإنسان أزمة معينة، أزمة مالية، أو اجتماعية، أو نفسية، وتترك أثرها على نفسيته وروحه، وتؤثر في مسيرته الحياتية تأثيراً واضحاً، فقد تدفعه هذه الأزمة للتراجع عن المضي في تحقيق أهدافه، وقد تؤثر على نفسيته فيصاب بالتعب النفسي، أو القلق، وقد يتطور الأمر لإصابته بأحد الأمراض النفسية المزمنة!!
فما الذي يبقي الإنسان صامداً متحدياً مثل هذه الأزمات، وكيف يتجاوز الإنسان مرحلة الأزمة محافظاً على رباطة جأشه؟!
إن الإجابة عن مثل هذا التساؤل تتركز في جملة واحدة، وهي «الروح الإيمانية»، فمن يمتلك روحاً إيمانية وقلبًا مفعمًا بالإيمان فإنه يستطيع تجاوز الأزمات دون أن تُغير في مسيرته، بل يمضي في مسيرته بكل إصرار وصمود.
وفي هذا الصدد يقول آية الله السيد هادي المدرسي: «الإيمان سلاح الروح ضد الموبقات، وملجأ النفس عند الملحات، ووسيلة المؤمنين في معترك الحياة.
الإيمان بالله تعالى يعطيك مضاءً في العزيمة، وقوة في القلب، وصفاء في الضمير، ووضوحاً في الرؤية، وثقة بالنصر. أفلح من انشغل بنفسه عن الناس، وأفلح منه، من انشغل بالله تعالى عن نفسه، وعن الناس معاً.
وفي مقطع آخر يقول آية الله السيد هادي المدرسي: «في أصعب حالات المعاناة احتفظ بإيمانك، فإن الإيمان قادر على زحزحة الجبال الراسيات، وتغيير مجرى الرياح السافيات، وتبديل الأحزان إلى مسرات». [1]
وهذا ما نجده في سيرة الإمام الحسين الذي كان يمثل روحاً إيمانية تحدت كل تلك الجيوش وكل تلك المحن والمصائب التي تجلت في يوم عاشوراء.
في اللحظات الأخيرة من حياة الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» تعرض جسده للعديد من الضربات من مختلف الأسلحة، وجسمه الشريف أصبح كالقنفذ من كثرة نبت السهام عليه، حتى قال الإمام الباقر : أصيب الإمام الحسين ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم». [2]
وعند مقتل طفله الرضيع، قال تلك الكلمة المفعمة بالإيمان: «هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله» [3] .
«إن الإمام الحسين حينما يقول «الله أكبر» فإن قلبه يتجدد استقامة وصبراً وصموداً، وحينما هوى إلى الأرض لا يجد كلمة يعبر بها عن واقعه إلا تلك الكلمة التي تكشف طبيعته وشخصيته وتصبغ حركته كلها بصبغة الإيمان، قال: «رضاً برضاك، لا معبود سواك».
هذه هي الكلمة الوحيدة التي قالها الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» في تلك اللحظات، يقول المؤرخون: حينما وقع الإمام الحسين وبه تلك الجراحات الكثيرة وحوله الأعداء، جمع حفنة من التراب جعلها كالوسادة، ووضع رأسه عليها وأخذ يناجي ربه وكأنه في طرف والدنيا كلها في طرف آخر، ولا يهمه إلا كسب رضا الله سبحانه وتعالى.. ليؤكد مسيرته الالهية الخاصة» [4] .
ولهذا ينبغي لنا أن نتعلم من الحسين كيفية تنمية الروح الإيمانية في ذواتنا، وذلك من خلال:
وهذا دأب أهل البيت ، فهم على صلة وارتباط دائم بالله تعالى، ففي كل حركة وكل عمل يقومون به نجدهم متوكلين على الله تعالى.
ومن يقرأ سيرتهم يجد فيها كمًّا هائلاً من الأدعية التي تدعو الإنسان للتقرب إلى الله تعالى، بل لقد وضع أهل البيت برنامجاً متكاملاً من شأنه أن يقوي العلاقة بين الخالق والمخلوق، ففي كل موقف هناك دعاء خاص بهذا الموقف، ويبقى على الإنسان أن يلبي نداء الرحمن: «ادعوني استجب لكم»، ليكون في ضيافة الله.
وقد تجلى هذا الأمر في حياة الإمام الحسين ، فمن يقرأ أدعية الإمام ويتدبر فيها، سيجد تلك الكلمات الروحانية التي تنم عن قوة العلاقة الروحية، وتنم عن قوة الرابطة بين الإمام الحسين وبين الله تعالى.
ومن يقرأ خطب الامام الحسين ، ورسائله، سيكتشف الشخصية الإيمانية التي كان يتمتع بها الإمام الحسين .
وفي يوم عاشوراء كان الحسين على اتصال دائم مع الله تعالى، حيث نجده يقف أمام تلك الجيوش رافعاً يديه قائلاً:
اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كل حسنة، ومنتهى كلّ رغبة [5] .
إننا في هذه الحياة الدنيا نعيش في غفلة عظيمة جدًّا، فنحن نعيش في دائرة محدودة جدًّا ولم نفكر فيما بعد هذه الحياة!! وأصبح الإنسان يلهث وراء المادة متجاهلاً ذلك العالم الذي ينتظره، ولذا تجده ينهار أمام أقلّ أزمة تعصف، فهو يفتقر إلى الرصيد الروحي، ولم يخطط لمستقبله الأبدي.
أما الإمام الحسين فكان ينظر لهذه الحياة الزائلة والفانية، ويرغب في لقاء الله معتبراً الموت قنطرة إلى السعادة الأبدية.
ينقل أنه لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن عليّ بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، وكان الحسين صلوات الله عليه وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا، ﻻ يبالي بالموت، فقال لهم الحسين :
صبراً بني الكرام! فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب، إن أبي حدثني عن رسول الله ﷺ أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبت ولا كذبت [6] .
مهما كانت حجم الأزمة إلا أنها تبقى ضئيلة جدًّا أمام قوة الإيمان التي يتمتع بها الإنسان، وهذا ما يعلِّمنا إياه الإمام الحسين ، حيث يقول حميد بن مسلم: «فو الله ما رأيت مكسوراً قط قتل أصحابه وأبناؤه وأهل بيته أربط جأشاً منه».
نعم، فقد كل شيء في الحياة ولكنه لم يفقد شيئاً واحداً هو أهم الأشياء، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو أقوى سلاح في مواجهة الأزمات.
وفي الختام، ينبغي لنا أن نقتدي بالإمام الحسين ونتعامل مع الأزمات بروح إيمانية صلبة، ولا يتسنى لنا ذلك إلا بالبناء الإيماني لشخصياتنا عبر البرامج الإيمانية المكثفة.