آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

في الذكرى الـ 54 لانطلاق الثورة الفلسطينية

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

الحديث عن الثورة الفلسطينية المعاصرة، في ذكراها الرابعة والخمسين، هو في أساسه حديث عن فتح التي بدأت ببناء تنظيمها مع نهاية الخمسينات من القرن المنصرم، قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم جعلت منهم العمود الفقري للثورة التي أطلقتها، حيث أقدمت فتح على استقطاب وتدريب أعداد كبيرة منهم.

في البيان العسكري الأول لفتح في الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1965، أكدت أن نضالها هو استمرار للكفاح الفلسطيني الذي بدأ بالثلاثينات، وحددت الهدف من عملياتها العسكرية، ضد الكيان الصهيوني، بالعمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وإرغام اليهود الذين استوطنوا فلسطين، على القيام بهجرة معاكسة، وتعطيل المشاريع الصهيونية عن طريق إشغال العدو بمواجهة المقاومة الفلسطينية المسلحة، وإرهاق الاقتصاد «الإسرائيلي». كما أوضح البيان أن عمليات المقاومة المسلحة تذكر العالم بأن اليهود لم يحتلوا أرضاً خالية من البشر، بل استوطنوا أرضاً وشردوا شعبها، وأن هذا الشعب قد امتشق السلاح، وقرر أن يدفع الثمن غالياً، ليعيد أرضه، وكرامته، وحريته، واستقلاله.

ويبدو مهماً التعرض لعلاقة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بالعمليات العسكرية لفتح. ففي عام 1964، دعا الرئيس جمال عبد الناصر القادة العرب لعقد قمة عربية في القاهرة لمناقشة المشروع «الإسرائيلي» لتحويل مياه نهر الأردن للأراضي المحتلة، ولاتخاذ الخطوات الضرورية للحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع. وفي ذلك المؤتمر توصل الزعماء العرب إلى ضرورة تشكيل كيان سياسي يمثل الفلسطينيين حيثما وجدوا. ويوضح صدور هذا القرار أن تشكيل «م ت ف» لم يكن، في مراحله الأولى على الأقل قراراً فلسطينياً مستقلاً، وإنما كان تنفيذاً لقرار عربي، حتى إن كان إعلانه لقي تأييداً وترحيباً واسعاً بين الأوساط الفلسطينية.

وبعد عدة شهور من انعقاد الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني، بدأت فتح عملياتها العسكرية ضد الكيان الصهيوني، وكان ذلك رد فعل استباقي للحيلولة دون تدخل الدول العربية، في الشأن الفلسطيني، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية بديلاً عنها.

لم تكن العمليات العسكرية الأولى لفتح ذات تأثير قوي في «إسرائيل» من حيث قوتها، وعددها. فحتى نهاية 1965، لم يتعد مجموع تلك العمليات خمسة وثلاثين عملية. وقد ووجهت بردّ عنيف، تضمن قصفاً «إسرائيلياً» مدفعياً للمناطق الحدودية المجاورة في سوريا والأردن.

لكن تلك العمليات نقلت الصراع العربي - الصهيوني، بشكل جذري إلى مستوى أعلى من المجابهة، معيدة الاعتبار لعروبة فلسطين.

وبإطلاق الرصاصة الأولى، للثورة الفلسطينية المعاصرة، تصدرت فتح الموقف، وباتت أقدم وأكبر منظمات المقاومة الفلسطينية التي ارتبطت لاحقاً ب» م ت ف».

ولكي نفهم الصعوبات التي واجهت فتح في تحشيد الفلسطينيين حول فكرة تحرير فلسطين، يجدر التنبه إلى أن محاولاتها تلك اتخذت مكانها عندما كانت حركة القومية العربية في أوج قوتها، واندفاعها. وكانت واحدة من الخصائص المميزة لتلك الحقبة هي التركيز على أهمية تحقيق الوحدة العربية، وعلى أن تحرير فلسطين سيكون النتيجة الطبيعية لتحقيق تلك الوحدة. وكانت الرؤية القومية التي سادت منذ بداية الخمسينات وحتى أواخر الستينات، تنطلق من نظرة كلية للصراع الدائر في الوطن العربي بين القوى الخارجية، وأبناء هذه الأمة، حيث الصراع في حقيقته بين قوى تصبو إلى الحرية والاستقلال والانعتاق، وبين قوى أجنبية تحاول تكريس سيطرتها على الوطن العربي، عن طريق الاحتلال، والهيمنة، واستنزاف الثروة.

وقد رأت حركة القومية العربية في الوجود الصهيوني على أرض فلسطين تحدياً مباشراً للأمة العربية بأسرها. وأن تحرير فلسطين مسؤولية عربية وقومية بالدرجة الأولى، وأن التهديد الصهيوني للعرب لا يقل بأي شكل من الأشكال عن اغتصاب اليهود لأرض فلسطين، خاصة أن هذا الجسم الغريب قد غرس خنجراً في القلب من الوطن العربي، ليكون عازلاً بين المشرق والمغرب من أرض الأمة، حائلاً دون نموها وتقدمها، ومهدداً لوجودها وأمنها.

ومع أن مؤسسي فتح اعتبروا قضية الوحدة العربية، من الوجهة الاستراتيجية، الحجر الأساس في المواجهة مع «إسرائيل»، إلا أنهم خالفوا المجموعات الفلسطينية الأخرى في اعتبار تحقيق الوحدة شرطاً أولياً في استراتيجية التحرير الفلسطينية.

في هذا السياق، كتب الشهيد صلاح خلف، «كنا مقتنعين أن الأنظمة العربية التي كانت في الأغلب فاسدة وأن الفلسطينيين مخطئين في الاعتماد على أي من الأطراف السياسية في المنطقة. لقد اعتقدنا أن الفلسطينيين يستطيعون الاعتماد على أنفسهم فقط».

وفي هذا الاتجاه يقول أبوجهاد إنه «عن طريق العمل العسكري فقط نستطيع تثبيت الهوية الفلسطينية.. لسنا بحاجة إلى من يقنعنا بأننا، كفلسطينيين لم يعد أمامنا سوى الاعتماد على أنفسنا، فلقد انتظرنا طويلاً مساعدة العرب لنا في استرجاع أرضنا».

لكن تعقيدات القضية الفلسطينية، والتدخلات العربية والإقليمية والدولية فيها، وغياب الاستراتيجية الكفاحية، أوصلت هذه القضية إلى المأزق الذي تمر به الآن، وليس من حل سوى العودة إلى الجذور، والتأكيد على أن قضية فلسطين، كانت وستبقى قضية العرب المركزية.