مراجعة محاضرة السيد منير«الانفجار العظيم»
سماحة العلامة السيد منير الخبار ظاهرة مميزة طرأت على المنبر الحسيني القطيفي بصفة خاصة والشيعي بصفة عامة فأعطت هذا المنبر بعدا جديدا نحن في أمس الحاجة إليه حيث قفزت هذه الظاهرة فوق الحواجز وبنت جسورا بين المستمع البسيط والفكر المركب الذي يحمله العلماء والفسلافة حيث لم يألو سماحته جهدا في تبسيط الكثير من الأمور لكي يهضمها المتتبع العام. السيد حفظه الله رفع من مستوى المنبر ومن ثم استنهض الفكر العام ليرقى لما هو أسمى. السيد منير نافذ البصيرة ذو ذهنية حادة وذكاء خارق ونَفَسٌ خصب ونفسية معطاءة. كل من يستمع لسماحته يعلم كم هو الجهد الكبير الذي يقوم به للتحضير والترتيب لمحاضرة يترواح طولها ساعة من الزمن.
في الليلة الخامسة من محرم لعام 1434هـ وفي مأتم الزهراء بـمدينة صفوى، تطرق سماحة السيد للانفجار الكوني العظيم والذي مع بدايته خلقت هذه الدنيا الفسيحة من نقطة الصفر. حاول السيد تلخيص موضوع يحتاج لشهور في ساعة زمن، أمر يتطلب جهدا كبيرا وجبارا وذهنية نادرة. لقد تطرق سماحته لنقاط مهمة جدا واستطاع أن يرد بلباقة وكياسة على بعض المغالطات الذي اتخذها بعض العلماء كذريعة لعدم وجود الخالق المدبر لهذا الكون المعقد. بالرغم من أن المادة العلمية ليس من تخصص السيد لكنه أجاد الموضوع بإتقان، ولكن لنا ملاحظات على ذلك مُتأمّلين من سماحته سعة الصدر لما نكتبه هنا أملا أن يصّب هذا الأمر في المصلحة العامة.
المادة العلمية التي طرحها السيد قديمة نوعا ما ولكن لا غنى للنظريات الحديثة عنها. كذلك وجود تفاصيل غير متقنة أو مفاهيم غير صحيحة والتي ربـما تؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة، ولكن بالرغم من كل ذلك، تخطى سماحته هذه العقبات لاعطائنا درسا دسـمـا ومفيدا، وسنقوم هنا إن شاء الله بسرد بعض هذه الأمور لعلنا جميعا نستفيد. شخصيا، أعزو هذه الفوارق لعدم دقة الترجمة التي لجأ لها السيد الكريم فهو أذكى من أن تفوت عليه مثل هذه الأمور.
لا يمكن لدرجة غليان الماء أن تكون ثابتة وتعتمد على متغيرات عديدة أهمها الضغط الجوي والخصائص الفيزيائية لجزيئات الماء. في مستوى سطح البحر «الذي يعتبر مقياسا للارتفاع وليس للمسافات» فقط ومع وجود ماء خفيف «هناك خفيف الذي نعهده بين أيدينا وهناك ماء ثقيل يستعمل في المفاعلات النووية» ونقي من الأملاح تكون درجة الغليان مئة درجة مئوية. إذا صعدنا بنفس الماء إلى مستوى أعلى، على جبل مثلا، فإن درجة الغليان تتناسب عكسيا مع الارتفاع. ليس هو الارتفاع ما يؤثر بل الضغط الجوي الذي يكون منخفضا مع الارتفاع مما يجعل الماء يغلي في درجة حرارة أقل من المئة. كذلك لو أخذنا هذا الماء لأعماق البحار فإن درجة غليانه ستتعدى المئة بسبب الضغط الهائل. في أعماق المحيطات، توجد براكين تنفث حِمَمَهَا بدرجات تتعدى الألوف ولكن الماء لا يغلي وإن ارتفعت درجة حرارته فوق المئة بكثير والسبب في ذلك الضغط الهائل. أما السبب العلمي للغليان فهو تسارع حركة الجزيئات وما الحرارة إلا عامل محفز لذلك. الحرارة عبارة عن درجة اهتزار الجزيئات في المادة، وكلما زاد الاهتزاز ارتفعت معه درجة الحرارة. نحن الآن نستطيع أن نستخدم الميكرويف لتسخين الماء لدرجة الغليان دون الحاجة إلى النار وذلك بإطلاق موجات يكون حجمها كحجم جزيء الماء والذي يساهم في ذبذبته وبقوة مما يؤدي لارتفاع سريع في درجة الحرارة.
نسبة الأكجسين حاليا 21٪ ولكنها لم تكن ثابتة على الإطلاق حيث طرأ على الأرض تغيرات ابتدأت بعدم تواجد الأكسجين الحر ومن ثم قامت بعض الطحالب باستخلاصه ومنها زادت نسبته لما هو أكثر من النسبة الحالية، ثم قلّ، ثم ارتفع إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم، ولولا هذا التغير لما وجدت حياة أساسا ولما نعمنا بثروة النفط الذي يحتاج إلى أجواء خالية من الأكسجين لكي لا تحترق المادة الهيدروكربونية. البيان الرسمي التالي يوضح نسبة الأكسجين على وجه الأرض للمليار السنة الماضية.
بيان رسمي يوضح نسبة الأكسجين على الأرض لمدة مليار سنة
المصدر http://en.wikipedia.org/wiki/Atmosphere_of_Earth
أما بالنسبة للانفجار العظيم، والذي لا يُعتبر انفجارا نوويا «لأن الانفجار النووي يحول الطاقة التي تربط نواة الذرة إلى طاقة» كون نقطة الصفر لا تحتوي على ذرات أو أنوية، فمعظم العلماء الحاليين يميلون لهذا النظرية «ليست فرضية» مع تصحيح بسيط للتصور الأول، والذي لا يسعنا أن نناقشها هنا. كما أن هابل «Edwin Hubble» اكتشف أن الكون يتسارع أكثر كلما بعدنا عن نقطة الانطلاق، والتسارع كما هو معروف غير السرعة. الأول عبارة عن جاذبية والآخر عبارة عن متجه. مع الانفجار العظيم تكونت ذرات الهيدروجين «بدون إلكترونات» والتي تكون منها كل شيء لاحقا. الرسم في الأسفل يقرب لنا صورة الانفجار العظيم المتفق عليه حاليا.
رسم بياني للانفجار العظيم
المصدر http://en.wikipedia.org/wiki/Big_Bang
بالرغم من أن الجاذبية لها دور أساسي في جذبنا نحو الأرض وتكتل المجموعة الشمسية ولكنها ليست هي القوة السالبة التي تحافظ على المجرات من التفكك حيث تكون نسبتها لا تتجاوز 26٪ في هذا الأمر. القوة السالبة الجاذبة تعزى إلى المادة السوداء «Dark Matter» بنسبة 84٪. المعاكس لهذه القوة السالبة هي القوة الطاردة «الموجبة» والتي تسمى الطاقة السوداء «Dark Energy» كما هو موضح في الرسم البياني السابق. ستظلان هاتان القوتان بين طرد وجذب إلى أن تتغلب المادة الطاردة ويتفكك الكون وذلك رجوعا لحسابات العلماء بأخذ نسبة التسارع التي تطرد والتي ستتفوق لاحقا.
أعطى سماحة السيد مثالا للاحتمالات حيث يوجد هناك خطأ حسابي في المعادلة. بدءا، نعيد صياغة ما أراد السيد إيصاله للمستمع الكريم: لو كان عندنا عشرة أرقام، من الواحد إلى العشرة، ما هي نسبة الحصول على هذه الأرقام بالتسلسل. حسب حسابات السيد، النسبة المئوية هي واحد على عشرة مليارات، ولكن الحساب الحقيقي يعطينا واحد على 3628800. لماذا هذا الخطأ الذي تفوق نسبته 275573٪؟ السيد حماه الله لم يأخذ في الاعتبار أن الأرقام المتبقية تتناقص كلما أخذنا منها رقما. على نسق حساباته، اعتبر السيد المبارك أن في كل سحبة 10 أرقام، بينما في الواقع، في كل سحبة تالية تنقص رقما واحدا عما قبلها، أي يكون الاحتمال واحدا مقسوما على 10x9x8x7x6x5x4x3x2x1 «10!» بدلا من ضرب الرقم 10 عشر مرات متتالية «1010».
بدلا من النظريات التي ذكرها السيد من نظريات نيوتن والنظرية النسبية والنظرية الكمية، هناك نظرية جديدة نسبيا تسمى نظرية الأوتار التي تجمع هذه النظريات في نظرية واحدة «Unified Theory». لا مجال هنا أن نناقش هذه النظرية التي تتطلب 11 بعدا مع فهم ما سبقها من النظريات الآنفة الذكر التي تطرق لها سماحة السيد. يطفو على الساحة حاليا العديد من العلماء الكونيين الذين أعطوا أبعادا جديدة لتصحيح بعض المفاهيم ومن هؤلاء العلماء آلان غاث «Alan Guth» الذي صحح نظرية الانفجار في عام 1980م ومن ثم تلاه أندري ليند «Andreï Linde» في عام 1983م. وبعدهما أتى ݕول ستاينهاردت «Paul Steinhardt» ونيل توروك «Neil Turok» في عام 2002م، ومن ثم لوريس بوم «Lauris Baum» وݕول فرامݕتون «Paul Frampton» في عام 2007م. لن نتطرق لهؤلاء الآن ولكن يتوجب علينا أن نعرج على العالم الواعد براين گرين «Brian Greene» الأمريكي المنشأ والذي ألف أربعة كتب قيمة في هذا المجال توجد في رابطه الشخصي http: //www. briangreene. org. في كتابه الأخير، الحقيقة المخفية «The Hidden Reality»، الذي طبع في أواخر 2011 م يوضح هذا العالم كيف نشأ الكون وتحدث بإسهاب عن الثابت الكوني والعديد من المتغيرات الأخرى واستنتج أن نسبة تكوين كون يضم حياة مثل كوننا نسبة ضئيلة جدا جدا، أي ما يقارب 1 على رقم به 400 صفرا، مما يعني أنّ فوز إنسان واحد باليانصيب مليارات المرات متتالية أقرب نسبة من أن يتكون هذا الكون بهذه الكيفية لتتكون عليه حياة، مما يعني أنه من المحال أن تتكون الحياة دون التدبير المسبق لهذا الكون لأنه من المستحيل عقلا أن يفوز شخصٌ باليانصيب مرتين متتاليتين، ناهيك عن مليارات المرات. عندما تناقش الملحدين يعتبرك مجنونا لو قلت له إنك فزت باليانصيب ثلاث مرات متتالية ولكنه في نفس الوقت يحاول أن يفرض عليك أن تقبل بعدد صفر تقريبا لأن يتكون هذه الكون بدون خالق!
نخرج من عند براين گرين ونرتمي في أحضان بيل برايسون «Bill Bryson» الذي يقول في كتابه «A Short History of Nearly Everything» إن البروتين يحتاج إلى أكثر من 25 مليار سنة لكي يتكون بالطريقة التي يقبلها العلماء. عمر الكون لا يتجاوز 14 مليار سنة، مما يعني أننا بحاجة إلى 11 مليار سنة إضافية لنصل فقط للبروتين، وبعدها ربـما 4 مليار سنة إضافية ليتطور هذا البروتين إلى إنسان سوي، أي أننا في نقص لـ 15 مليار سنة، وهذا أمر يتنافى أساسا مع العقل والمنطق.
يتضح من هذه الأرقام ودون اللجوء للفلسفة أنه من المستحيل أن يكون الكون على هذه الصورة دون مدبر وكل من يقبل بهذا الأمر فهو يناقض نفسه ويكذّب الأرقام التي توصل إليها العلم حيث لا يمكن لعاقل أن يلجأ للأصفار ليثبت وجهة نظر تتنافى مع يوابث الرياضيات.
في هذا السياق، ومن قبل، وللخوف في الوقوع في مثل هذه المشوهات للمحاضرات الإسلامية الراقية، اقترحتُ على سماحة الشيخ الدكتور فيصل العوامي من تكوين فريق علمي ديني وعلمي دنيوي لكي يتم تمحيص المادة قبل تقديمها للمتلقي البسيط لأن هذه الأمور سترهقه وربما لن يستفيد منها شيئا بينما في نفس الوقت تعطي انطباعا سلبيا للمتعلم الدنيوي المتخصص في مثل هذه المجالات. مثل هذه المحاضرات تحتاج إلى أبعاد أكثر واضطلاع أوسع من قبل المتخصصين من الطرفين الديني والدنيوي. كما أنني أوجه ندائي لسماحة العلامة السيد منير الخباز بعمل استفتاء للمستمعين إن كانوا يرغبون لتقلي مثل هذه المحاضرات القيمة جدا أو أنهم يكتفون بجزء مبسط ومصغر. لطرح مثل هذه المواضيع المتشعبة والمتطلبة لمادة علمية دسمة وفلسفية معقدة ربما يستعين العالم الرباني بفريق من علماء التخصص لمساعدته في مثل هذه الأمور، ولا ضير في ذلك حيث استعان الإمام علي بأبي الأسود الدؤلي لوضع علم النحو. أو ربما، تقام ندوات في هذه المضامير يحضرها أصحاب التخصص من كل جانب. كما يمكننا الاستعانة بتسجيل مثل هذه المحاضرات في ستوديو ومن ثم عرضها على اليوتيوب مع ترجمة للغات مختلفة لكي تصل إلى عدد أكبر من المستمعين. كما أننا نأمل أن يقوم سماحة السيد بوضع هذه المحاضرات في إطار نصّي يمكن ترجمته وجمعه في كتب لتسهيل وصولها للآخرين، وإن شاء الله جميعنا خُدَّامٌ لسماحة السيد.