ثقافة الاستئذان
من الطرائف التي شاهدتها أن أحد كبار السن جاء إلى إحدى العيادات وأراد الدخول فوجد الباب مغلقا.. توجه للباب الاخر فوجده مغلقاً.. توجه للباب الثالث فوجده مغلقاً أيضاً.. فقال بنبرة الغاضب وبلهجته الجميلة «حشا هذه غرف معاريس»
وفي موقف آخر جاء أحد الشباب وصار يطرق الباب ويطرق ويطرق حتى خرجت له الممرضة قائلة ألم تقرأ العبارة ”يوجد مريض بالداخل.. ضع ورقتك هنا وانتظر“
الاستئذان عملية قد تكون بسيطة ولكنها أدب وخلق وقيمة إسلامية عليا تضفي على من يتمسك بها لباقة واتزان في شخصيته.
وهي تشمل جميع أبعاد حياة الإنسان الأسرية والزوجية والتعاملات مع الآخرين.
ولقد حث عليها الإسلام بقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27]
الاستئذان هو عملية تواصل بين طرفين
الطرف الأول يبدأ الطلب بالإذن و
الطرف الآخر له حرية القبول أو الرفض.
وعلى الطرف الأول الانتظار حتى تتم الموافقة على طلبه وتنفيذه سلباً أو إيجاباً.
وهذه العملية التواصلية هي ما عبر عنها الإمام الصادق حيث ورد عن أبي عبدالله قال: الاستئذان ثلاثة: أولهن يسمعون، والثانية يحذرون، والثالثة إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا لم يفعلوا، فيرجع المستأذن.
إن هذا الأدب الرفيع يبدأ منذ نعومة أظفار الإنسان ويتأكد عند البلوغ حيث يقول تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور59].
إنَّ تعويد أطفالنا وشبابنا على أدب الاستئذان في كلّ الأمور كفيلٌ بتنشئتهم على أخلاق فاضلة كثيرة ويصبح هذا الأدب ملكة نفسية جميلة تميزهم عن غيرهم.
وكما أن الاستئذان يدل على إيجابية الانسان وإشاعة الأمن والطمأنينة ونمو للأخلاقيات والعلاقات الطيبة في المجتمع، فإن عدم الأستذان يدل على الفوضى وعدم النظام وانتهاك حقوق الآخرين مما يسبب تأزم وتوتر العلاقات بين الطرفين.
جاء في حديث عن الإمام الباقر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:“خرج رسول اللّه ﷺ يريد فاطمة وأنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده فدفعه ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: فاطمة : عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: اُدخل يارسول اللّه، قال ﷺ: أدخل ومن معي؟ قالت: يارسول اللّه ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت، ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: وعليك السلام يارسول اللّه، قال أدخل قالت: نعم يار سول اللّه، قال أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه ﷺ فدخلت…”
إن كل من يتخلق بهذا الخلق ويجعله ثقافة حاضرة في جميع تعاملاته فإن الراحة والطمأنينة تكون حليفه.