آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

أمي ولكن غير متعصب

بسام المسلمي *

”تميَّز محمد علي «حاكم مصر ما بين 1805 - 1848م» عن الحكام العثمانيٍّين الآخرين بأنه لم يكن متعصباً. وربما أسهمت أميته المبكرة «حيث أنه علَّم نفسه القراءة في العام 1815م في عمر الخامسة والأربعين» في تحرره من بعض القيود العقلية التي كبلت بعض العثمانيين المتعلمين.“ فيليب مانسيل، ثلاث مدن مشرقية ج1، صفحة 111، ترجمة: مصطفى قاسم، عالم المعرفة، العدد 454 نوفمبر 2017

عندما أردنا أن ننصِّب شخصا يكون عادلا غير متحيِّز في معاملته مع الجميع بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والدينية والسياسية، قال لي صديقي بأن الحل الوحيد هو أن ننصِّب شخصاً أمياً لا يحسن القراءة، وذلك لأنه لا يستطيع التفريق ومن ثم التفضيل والتمييز بين التوجهات والانتماءات المختلفة. فالتفضيل يقوم على التحليل والتقييم وذلك كله يحتاج إلى شخص يحسن القراءة الواعية ثم أورد لي تلك السطور التي بدأ بها المقال مستدلا بها على سلامة رأيه. فقلت له: ولكن عدداً لا يستهان به من الأميين وغير المتعلمين الذين نواجههم في حياتنا متعصبون جداً، ولا يقبلون أي أحدٍ لا يتفق معهم في توجههم أو دينهم. وقد يصل الأمر ببعضهم أن يعتدي جسدياً على أولئك الذين يختلفون معهم. فكَّر صديقي قليلاً، ثم قال: إنما خصصت الأمي بالذات لأنه - عادةً - لا يحمل أي اهتمام بالأمور الفكرية والدينية والسياسية، فهو لم يقرأ ولم يسمع عنها غالباً ولم يحاول ذلك أصلاً. وهو بذلك لا يملك أي أيدولوجية تقيده وتجعله يدعم دعماً مطلقاً توجهاً معيناً دون غيره، بل ربما تدفعه تلك الأيدولوجية لأن يحارب ويناهض كل التوجهات والانتماءات المختلفة والتي لا تلتقي مع أيدولوجيته، ثم يكيد لأصحاب تلك التوجهات ويحاول النيل منهم بكل ما يستطيع من قوة. أما ذلك الأميِّ الذي - غالباً - لا ينطلق من أيدولوجية معينة، فإنه سيقف في المنتصف بين كل التوجهات المختلفة وأصحابها، ولن يحابي طائفة على حساب أخرى.

وعلى العكس، فإن المتعلم والمثقف الذي - عادةً - يعتنق توجهاً معينأً أو يسير وفق ما تملي عليه أيدولوجيته، فإنه سيدعم التوجهات التي توافقه دعماً تاماً وسيقف سداً منيعاً أمام كل الأفكار والانتماءات الأخرى وأصحابها. ولعل الواقع يبرهن على ما أقول، ولذلك فإن بعض الدول وضعت لجنةً منتخبةً - كمجلس الشيوخ في الولايات المتحدة - من جميع أطياف الشعب تراقب ذلك القائد كي لا يستبد بتوجهاته ويناهض توجهات الآخرين.

هنا قلت لصديقي: إذا كنت تقصد أمياً ليست التوجهات الفكرية والدينية والسياسية من ضمن اهتماماته، فلعلي أتفق معك!