أيها المعلمون .. اعلموا أن كاميرات السماء مفتوحة
لستُ من عُشّاق الماضي بكل ما فيه والذائبين فيه بكل تفاصيله ولكن أيضاً عندما تنظر بشيء من التركيز على وضعنا الحاضر - بالرغم من التقدم الملحوظ والتألق الملموس والإبداع الخلّاق في التعليم والمخرجات خير دليل على ذلك من نبوغ طلابنا وطالباتنا على كافة المجالات - تجد مدى وضوح هاجس النشر أو التصوير أو التوثيق سمّه ما شئت، حتى باتت الكاميرا هي أداة التعليم الأساسية وبدونها تتعطل العملية ويتوقف كل شيء
التوثيق مطلوب ومهم إذا كان لنشر الفائدة ونقل التجارب الناجحة وحتى لإبراز إنجازات صاحب العمل وهذا حق مشروع وجزء من تحقيق الذات
ولكن أن يكون العمل لأجل الصورة فتلك أم الكوارث وهذا مع الأسف الشديد ما يحدث في أروقة مدارسنا عند الكثير حتى باتت ظاهرة وعندما أصبحت كذلك تلاشت قيمة العمل وغاب الإخلاص وبدأ التفنن في الرياء والإبداع في طرق الشهرة بشتى صورها
ناهيك عن الجهة الأخرى والتي يُعدّ لها أقوى أنواع أسلحة الكذب وبأحدث التقنيات وهي «الأنشطة المدرسية» ومع الأسف وأقولها بكل صراحةٍ ومرارةٍ أيضاً مساعدة الوزارة من حيث لا تشعر على ذلك بالمبالغة بالتوثيق الورقي لا أكثر
وعليه تنذهل من كمية الأنشطة التي لا تكاد تجد يوماً بل وحصة دراسية إلا وهنالك نشاط نوعي ك «تقارير ورقية وإلكترونية» ولا يدري المسؤول المسكين بأن هذه الأنشطة كانت مجرد تمثيليات بإخراج متقن من رائد النشاط وسيناريو متخصص من خبرة الإدارة وتمثيل احترافي من طلابنا الأعزاء حتى أفقدناهم قيمة الصدق وجعلنا منهم محترفين في الكذب والرياء
وما عزّز ذلك في الأونة الأخيرة جوائز التميز الكثيرة والتي هي في ذاتها بوادر نوعية جميلة ونافعة، وحاجة ملحّة للعملية التعليمية ولكن التطبيق مع الأسف زاد الطين بلّةً فزادت أساليب الكذب والرياء بمسميات عصرية «التوثيق والإنجاز» والعجيب بأن هذا الأمر المُخجل أصبح طبيعياً جداً فتجد المعلم المتميز يدرّس طلابه فنون الرياء والكذب لا لشيء إلا لسد نقص في داخله باحثاً عن جائزةٍ من هنا وهناك ولنكن أكثر صراحة باحثاً عن صورة شخصية تجمعه بالجائزة والمسؤول.
عزيزي المعلم: لا يختلف اثنان في حاجة الإنسان إلى التقدير وإبراز الإنجاز ولكن أن يكون دافع عملك هو الجائزة لا أكثر فتلك كارثة
وبما أنك يا عزيزي تعلّم وتتعب وتبدع وتتألق، اجعل شيئاً من هذا الكد حباً لطلابك وخالصاً لوجه الله لا لوجه المسؤول وطلباً للشهرة
مع كثرة وشيوع هذا الجو في مدارسنا أصبح عُرفاً وصار الكذب منهجاً فتشكلت صورة ذهنية بين المعلمين بأنه من أبدع في التوثيق أهمل في الميدان والعكس
وأخيراً وكي لا أكون سلبياً متناولاً الموضوع من جهة واحدة، هناك من المعلمين من كرّس وقته وجهده وحياته في تنشئة الأجيال ودافعه هو الحب والعطاء والإخلاص لوجه الله لا أكثر، وهؤلاء لا تجدهم على منصات التتويج إنما تجدهم يعلّمون ويُربّون ويتفانون ويتألقون ويبدعون في أروقة الفصول بعيداً عن الكاميرات ويرجون الثواب ممن لا تغفل عينه شيئاً في الأرض ولا السماء وأعينهم تنتظر ذلك التكريم الحقيقي