الموظف الجديد
«1»
كان قسماً آمناً مظمئناً منتجاً... الإنسجام والتآلف بين الموظفين كان جلياً... تفوح من المكتب رائحة المسك والعنبر... البسمة تشرق على وجوه الموظفين... أضف إلى هذا أنه كان قسماً منتجاً... كل موظف يقوم بأداء عمله على أكمل وجه... ولو كانت هناك جوائز للقسم المثالي لكانت من نصيبه دون أي منازع... وبقي هذا القسم مضرب المثل في الانضباط والانتاج وروح المحبة التي تسود بين الموظفين... حتى جاء ذلك اليوم الذي حضر فيه أحدهم قائلاً: أنا معكم... أنا الموظف الجديد... أين هو مكتبي؟؟
رداً عليه أحدهم قائلاً: أهلا بك... لكن لم نرفع أي طلب بأننا بحاجة لموظف جديد... قال الموظف الجديد: هذا خطاب توظيفي... وعليكم بإعادة ترتيب المكتب حتى يتسنى لي احضار مكتب من المستوعات....
نظر الموظفين لبعضهم البعض وعلامات الاستغراب والاستياء بدأت تتسلل إلى ذلك المكتب الآمن....
في اليوم الآخر... جاء الموظف الجديد بعد أن تم توفير مكتبه... وأخرج سيجارته وبدأ بالتدخين!!
خاطبه أحدهم عفوا التدخين ممنوع في المكتب ولدينا زميل لديه مشاكل في الجهاز التنفسي... لذا نأمل منك عدم التدخين...
لم يعره أي اهتمام... وأكمل سيجارته...
بدأت الرائحة تتسلل إلى المكاتب الأخرى... حتى جاء أحدهم ليستطلع الأمر... فوجد سحابة من الدخان قد غطت سماء المكتب... استغرب مما شاهده... وعاد أدراجه إلى مكتبه....
استمر الموظفون في عملهم... ولكن غابت روح الابتسامة كما غابت رائحة المسك والعنبر...
«2»
اقتصر حضور الموظف الجديد على ربع ساعة يبث سمومه في المكتب ثم يغادر... كان كثير النقد... كثير الشكاوي... لا يعجبه العجب... يتباهى بالإنجازات الوهمية...
ذات يوم جلس ينظر للعمل قائلا: عندما كنت في الإدارة «الفلانية» كنت قد نظمت لهم الأرشيف بالطريقة الذكية، كان لدينا صادر ووارد الكتروني... ونظمت لهم مواعيد المراجعين بطريقة مريحة جداً... استخدمت شبكة التواصل الاجتماعي في التواصل مع المراجعين... أما هنا فلا أرى سوى العمل التقليدي.... مجموعة ملفات... أرشيف متعب.... لا أعلم كيف أنتم تعملون بهذه الطريقة القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب... العمل هنا ممل... وخرج....
في يوم ما سمع حديث الزملاء عن زميلهم الذي تم تنويمه في المستشفى بسبب أزمة الربو التي يعاني منها، فما كان من الموظف الجديد إلا أن قال: موظفين تحتال على العمل بإجازات مرضية!!
بقي الموظفون صامتون عملا بقول أحد الشعراء:
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه *** وإن خليته كمدا يموت
وهكذا خرج من المكتب بعد أن تمتم بكلمات تنم عن النفسية المريضة التي يعاني منها....
«3»
قرر أحد الموظفين الذهاب للمدير وإبلاغه بملاحظاته عن الموظف الجديد فقد اصبح الوضع صعبا ولا يمكن التعايش معه...
بدأ الموظف حديثه مع المدير قائلا: منذ أربعة اشهر ونحن نعاني من الموظف الجديد فهو موظف سلبي سلبنا فاعليتنا في العمل... سلبنا المتعة في العمل.. أُصبنا بالإحباط... وهو موظف كثير النقد قليل العمل... موظف غير منضبط... أضف الى هذه السلوكيات السيئة فهو لا يمتلك المؤهل العلمي المناسب لشغل هذه الوظيفة وليست له خبرة عملية.. فقط يتغنى بإنجازات وهمية...
اجابه المدير
لقد لاحظت ذلك على إنتاجيتكم فقد انخفضت كثيرا... واعدك ان ارفع هذه الملاحظات للإدارة العليا وحتما ستأخذها بعين الاعتبار وسيتغير كل شيء...
عاد الموظف لزملائه مستبشرا قائلا سيأتيكم الفرج قريبا...
وماهي إلا ايّام قلائل حتى جاء القرار ينص على نقل الموظف الذي قدم الشكوى وترقية الموظف الجديد لرئاسة القسم...
- إذا أردت ان تعرف مدى قوة إدارة ما فأنظر الى مدى احترامها للكفاءات من حيث تنميتها والمحافظة عليها ومعاقبة كل من يسيء إليها.
- لا تسمح لأي موظف أن يمتص فاعلية موظفيك، وعليك عزله ووضعه في الموقع المناسب له.
- ابحث عن الموظف المميز بفكره ومؤهلاته العلمية والعملية كما جاء في قصة نبي الله يوسف بقول تعالى ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: 54]