آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:07 ص

أين شيعة الحسين؟

حسين نوح المشامع

قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّ‌مَ رَ‌بِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ‌ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ‌ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِ‌كُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴿33 الأعراف

قال معاوية ابن أبي سفيان: «ما قتلت أحداً إلّا وأنا أعرف فيمَ قتلتُه وما أردت به، ما خلا حُجر بن عديّ، فإنّي لا أعرف فيما قتلته؟!».

في ليلة أربعينية الإمام الحسين من هذه السنة 1440 هجرية صادف خروجي من احد المآتم الحسينية خروج احد الأصدقاء واحد الجيران وهو يلهج متذمرا لتحامل خطيب المنبر الحسيني السابق الذكر على شيعة العراق لخذلانهم الإمام الحسين في كربلاء، رغم كثرة الكتب التي أرسلوها يطالبونه فيها بالقدوم عليهم، وأنه ليس لهم إمام يطيعونه ولا أمير يبايعونه غيره، وكذا خذلانهم لوزيره ونائبه بالحق مسلم بن عقيل بعد مبايعتهم له.

أخذنا بتبادل أطراف الحديث ونحن عائدون سيرا على الأقدام إلى منازلنا، ولكن السؤال لا يزال حائرا أمام ناظري صاحبي: هل صحيح أن شيعة العراق قد خذلوا الإمام الحسين ؟! وإنهم قد تخلفوا عمدا عن معركة كربلاء؟!

فقلت لصاحبي: لقد اطلعت على بعض الكتب التاريخية والأبحاث العلمية والتي تناقش هذا الموضوع بالكثير من الدراسة والتحليل.

وماذا جاء في هذا الكتب يمكنه أن يزيل الهم عن قلبي، ويجيبني جواب شافيا؟!

أورد الباحثون في كتبهم عدة أمور.

وما هي هذه الأمور التي أوردوها في كتبهم، بينها لي؟!

أول هذه الأمور كون الشيعة أقلية في العراق منذ حكم الإمام علي أمير المؤمنين حتى فترة حكم العثماني للعراق، وخلال الحكم العثماني قررت دولة الخلافة توطين البدو الرحل الذين كانوا يتنقلون بين الجزيرة العربية والعراق لتتمكن من جباية الضرائب منهم، فوطنتهم في المنطقة الجنوبية من العراق، حول النجف وكربلاء ومناطق الأهوار، ليعملوا هناك في الزراعة وصيد الأسماك، وهنا بدأ تكاثر الشيعة بعد استغلال مراجع الدين الشيعة آنذاك فرصة تواجدهم حول أضرحة أهل البيت فعرضوا عليهم المذهب الجعفري، فدخلوا فيه جماعات وأفرادا.

ولكن هذا لا ينفي وجود الشيعة في العراق بتاتا، بعد أن عرفنا أنهم راسلوا الإمام الحسين وعرضوا عليه الإمارة والنصرة، فلماذا لم ينصروه، أم إن هناك أسبابا أخرى قاهرة وراء عدم نصرتهم؟!

ليس كل من راسل الحسين هو من شيعته، بل كان هناك الموالين لبني أمية المتظاهرون بالولاء لأهل البيت ، وهناك أيضا الإجراءات الصارمة التي قام بها معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد من بعده، على يد أمراء الولايات التابعين لهما.

وما هي هذه الإجراءات التي تم تنفيذها؟!

نعم، منها ما قام به معاوية في حياته على يد زياد بن أبيه.

وما هي هذه الإجراءات التي نفذها زياد بن أبيه؟!

أولا: القضاء على‏ رجالات الشيعة أمثال حجر بن عدي، وعمرو بن الحَمِق الخزاعي، ورشيد الهجري، وجويرية بن مسهر العبدي‏، والحضرميّان - عبداللَّه بن نجي

الحضرمي الكوفي - ومسلم بن زيمر الحضرمي الكوفي.

هذا أولا، وماذا في جعبتك ثانيا؟!

ثانيا: تسيير آلاف من أهل الكوفة - وفيهم بعض الرجالات - بعيالاتهم إلى‏ خراسان.

وماذا عن آخر ما قام به زياد من إجراءات في الكوفة؟!

وكان آخر ما عزم على‏ فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين: أن جمع الناس، فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر، ليعرضهم على‏ البراءة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فمن أبى‏ ذلك عرضه على‏ السيف‏.

هذا ما قام به زياد ابن أبيه في حياة معاوية، وماذا عن ما قام به ابنه عبيدالله في حكومة يزيد، يجب أن يكون أردى وأعظم؟!. لأنه لن يكون ارحم من أبيه.

نعم، فلقد قام عبيدالله بن زياد بعدة إجراءات قمعية للقضاء على أي حركة أو انتفاضة يمكن أن يقوم بها الشيعة.

وما هي هذه الإجراءات القمعية، عددها لي؟!

إن الإجراءات التي قام بها عبيدالله بن زياد لضمان عدم مقاومة الشيعة هي كالتالي:

بث الشائعات بين الناس، تنصيب العرفاء، تنصيب رؤساء القبائل، بث الجواسيس بين الناس، محاصرة الكوفة، اعتقال المختار الثقفي وسليمان ابن صرد الخزاعي وجماعته، وخطبته بعد تلك الإجراءات لحمل الناس على‏ الخروج‏ لقتال الحسين.

وما هي تلك الشائعات التي بثها ابن زياد بين الناس لضمان عدم مقاومة الشيعة؟!

لقد أمر ابنُ زياد جماعةً ممّن حوله أنْ يعلموا الناس بوصوله إلى‏ الكوفة، ويشيعوا بينهم بوصول جيشٍ من الشام يخوّفونهم به، ويخذّلونهم عن مسلم بن عقيل‏.

منهم العرفاء، وما هو تأثير تنصيبهم في الناس؟!

العرفاء هم الّذين يعرفون أفراد القبائل ويتولّون أُمورهم، وبواسطتهم يتعرّف الأمير على‏ أحوالهم، فيخبرونه عمّن تخلّف عن القتال منهم، وعمّن وُلد له منهم، ومن مات منهم، وعلى‏ أيديهم تجري أُعطيات أفراد القبائل، وعن طريقهم تنفّذ السلطات مقاصدها في القبيلة، وكان لهؤلا دور كبير في إخراج الناس لحرب الإمام .

وما هو الدور الموكل بالجواسيس؟!

والجواسيس هم عيونه بين الناس، للتعرّف على‏ مواقع الشيعة وشخصيّاتهم وتحرّكاتهم، بعد أن لاذوا بالكتمان والاختفاء؛ وقضيّة إرساله مولاه المسمّى‏ ب «معقل» ومعه ثلاثة آلاف درهم ليلتمس له موضع مسلم بن عقيل وأفراد أصحابه، وأنّه جاء إلى‏ المسجد الأعظم والتقى‏ مسلمَ بن عوسجة، وتظاهر بأنّه من الشيعة وجعل يتباكى‏... معروفة.

وماذا عن محاصرة الكوفة؟!

وقد سيطر ابن زياد على‏ جميع أطراف الكوفة والطرق المؤدّية إليها، فما يدخل إليها احد أو يخرج منها أحدٌ إلّا ويفتّش ويفحص عن حاله ويُعرف.

وهل هناك غير هذا قام به ابن زياد؟!

وعلى‏ الجملة، فقد قتل ابنُ زياد الشيعةَ، وقطّع الأيدي والأرجل منهم، وسمل العيون، وصلبهم على‏ جذوع النخل. ومنهم من طردهم وشرّدهم، فلم يتمكّنوا من البقاء في الكوفة.

وماذا عن اعتقال المختار وسليمان وجماعته‏؟!

وقام بحملة اعتقالات واسعة، فتمكّن من إلقاء القبض على‏ مجموعة منهم، فكان من بين كبار الشخصيّات المعتقلة: المختار بن عبيدالله الثقفي، وسليمان بن صرد وجماعته، وعبداللَّه بن نوفل بن الحارث‏، وغير هؤلاء كثيرون، ولا يعلم عددهم إلّا اللَّه.

إذا هكذا تمكّن ابن زياد من القضاء على‏ أنصار مسلم بن عقيل ، كهانئ بن عروة وغيرهم.

نعم، حتّى‏ إنّه قتل بعضهم بين أبناء عشيرتهم وأمام أعين قومهم، أمثال ميثم التمار وعبيدالله الكندي. بل هكذا تمكن من القضاء على معظم أنصار الإمام الحسين ، إلا من كان على قيد الحياة وخارج السجون واستطاع الالتحاق بتوفيق من الله ورحمته بالحسين ، أما عبر الخروج سرا كحبيب بن مظاهر، أو الخروج مع الجيش الأموي كجندي حرب كالحر بن يزيد الرياحي.

وهل هناك شيء نسيته ولم تذكره؟!

وهنأ لابد أن لا ننسى حروب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الناكثين «أصحاب الجمل»، والقاسطين «معاوية وجيشه»، والمارقين «الخوارج»، ولا ننسى عدد الشهداء والقتلى من جيش الإمام الذين قضوا نتيجة تلك الحروب.

فبعد الذي ذكرت لا يوجد عذر لمن يوصم شيعة العراق بالتخاذل، وبعد الذي أوردته من الإجراءات التي اتخذها ابن زياد وأبيه من قبله.

ولكن قد يكون هناك متخاذلين في صفوف الشيعة ولكن ليست بالكثرة التي يتصورها البعض، مع الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات التعسفية التي اتبعها معاوية وابنه يزيد من بعده مع شيعة العراق. ويبقى إن شيعة العراق هم من أعانوا الحسين في نضاله وليس غيرهم، فلذا اختارت العناية الإلهية العراق ليكون موطنا لجثمانه الطاهر.

شيعة العراق - إسحاق النقاش

اعرف الحق تعرف أهله - السيد علي الميلاني