خادم الإمام
حين انتقل أحد الاصدقاء الأعزاء إلى جوار ربه، تعددت الأوصاف والألقاب الفنية التي اندفع الأصدقاء لمنحها إياه، وهو الذي تعددت مواهبه واهتماماته، غير أن وصفاً واحداً تخيره أهل الفقيد والمقربون منه كتب يومها على يافطة كبيرة عند مدخل العزاء وهو ”خادم الإمام الحسين“، وهذا الوصف يحيل عادة على إسهامات الفرد ومشاركاته في المناسبات وثيقة الصلة بعاشوراء وفعالياتها المتكاثرة، وهي قائمة تمتد من تنظيف مواقع القراءة والعزاء وصولا إلى إدارة الموقع والإغداق عليه من المال، أي أنها تتضمن كل الأفعال التي تصب في دعم عاشوراء واستمراريتها.
هو وصف للتبرك بالدرجة الأولى، غير أنه يهب صاحبه امتيازاً اجتماعياً من نوع ما، ويجعله قريباً من حظيرة الدين والتدين، حتى وإن لم يكن منشغلا بهذين العنوانين، على اعتبار أن عاشوراء المناسبة هي حدث اجتماعي وديني في ذات الوقت، ولذلك يتشارك في صيانته أفراد المجتمع باختلاف درجات التزامهم، الأمر الذي يذكرنا بالحس الديني للمجتمع عموما، ويذكرنا بالرابطة التي تربط المناسبة الدينية بهوية الناس الاجتماعية.
ليس هنالك من كاتالوج متفق عليه لمواصفات ”خادم الإمام“، إذا ما أخذنا في الاعتبار سعة الوصف والداخلين فيه، لأن الوصف وتفاصيله تولدت من سياق الممارسة واتساعها، أي أنها ليست بوظيفة أو مقام محدد الأبعاد، وإنما تقديرات ورغبات وأمنيات يراد بها رسم جسر موصل بالهدف والغاية من هذه الخدمة المفترضة، والتي تبدأ بصيانة الحب وتنتهي بالبحث عن الثواب.
وبسبب هذه السعة لا يمكن الحديث عن ما يليق أو ما لا يليق في صورة ”خادم الإمام“ غير الذي يمكن قوله في سواه من أفراد المجتمع المحمولين بوازع الدين والقانون والعرف على الانضباط والالتزام، فما يترتب على هكذا ”امتياز اجتماعي“ لا يعدو هذا الانسجام والتماهي مع المزاج الاجتماعي الذي يفتح ذراعيه لكل من يشاركه في تثبيت هويته وتعزيز قيمه ومعتقداته، كما لا يمكن الحديث عن وقف المرأ لذاته وتخصيصها للمناسبة دون غيرها، لأن ذلك لا يحدث حتى عند الخطباء الذين اتصلوا أكثر من غيرهم بهذه المناسبة.
ابتكر الناس وصف ”خادم الإمام“ وسعوا لدفقه بالدلالات والمعاني، غير أن تحول الزمان والمكان والإنسان ساهم في كل مرحلة في إزاحة دلالات هذا الوصف، أو لنقل إعادة تأهيله، ليتناسب مع طبيعة استخداماته وتوظيفاته، وما يحدث من ارتباك في التعاطي مع صورة ”خادم الإمام“ في أكثر من موقع مرده هذا التحول المستمر في صورته، والتحول في وظائفه، وكذلك التحول في رغبات الناس وتطلعاتهم حوله.
سيكون من المغري الذهاب بعيدا في تاريخ هذا الوصف، والوقوف على بدايته، ومحاولة فهم موجهات هذا الوصف وظروف صعوده، حتى يتسنى للواحد منا أن يفهم هذه الحماسة لتقييده وتوسيع دلالته في آن، فما يبدو في ظاهره خدمة لقضية الإمام والتي تتلخص في رفض الظلم وإقامة العدل، يبدو عند البعض خدمة لتصوراته وأمنياته ومايريده أن يكون من طقوس وممارسات.