متى تتوجه الثقافة نحو الجمهور؟
لابد أن نؤمن أن الثقافة صناعة قائمة بذاتها، فقد خدمتنا تكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات باعتبارها وسيلة مهمة وأساسية في نقل وتوزيع وانتشار الثقافة ومصادرها، لذلك جرت عادة أولئك الذين يطمحون إلى التغيير والتميز أن يبحثوا ويطرقوا كل جديد، ومع تعقد العلاقات وتوسع المؤسسات واحتياج العالم إلى تنظيم مختلف بأفكار خلاقة مبدعة، كان لابد من أن نتقن شق طريقنا بالتفكير عبر سياقات ثقافية وأنظمة مجردة وصارمة وغير مألوفة، والمتعارف عليه أنه غالباً ما يضيع شيء ويكتسب شيء مع كل تقدم يحدث في جميع المجالات سواء التكنولوجية أو الثقافية وغيرها، كذلك استخدام التقنيات الحديثة أصبحت قضية ثقافية في المقام الأول، فقد أصبحت الثقافة هي محور عملية التنمية الشاملة، وقد نادى الفيلسوف يورجن هابرماس «بالتواصل الصادق مع الآخرين»، ولو طبقناها على واقعنا الثقافي الحالي قد يكون التواصل مع الآخرين عن طريق استمطار الأفكار وكيف يمكن تفعيل الثقافة وإيصالها للجمهور باعتبارها جزءاً من الحياة وليست رفاهية، فمشكلاتنا حديثة، لذلك لابد من إيجاد حلول حديثة، والإنسان الحالي لا يستجيب مع الأفكار والحلول العادية والمستهلكة، كذلك المؤسسات الثقافية الحكومية أو الخاصة كلها تبحث عن حلول جديدة تتناسب مع معطيات المرحلة.
والمتتبع للمشهد الثقافي سيلاحظ الفجوة بين الثقافة والمثقفين والجمهور، حيث أصبح هناك عزوف للمثقفين عن المناشط الثقافية، كذلك الجمهور الذي يفترض أن ينتفع مما يطرحه المثقف ومما توفره المؤسسات الثقافية، والواقع أن هناك أسباباً كثيرة لعزوف المثقفين منها سياسة بعض الأندية الأدبية في عملية الاختيار والانتقائية الشديدة لتيار دون الآخر. أيضاً لا يوجد تسويق جيد للفعاليات ولا عوامل جذب، فالحياة الآن مختلفة وبعض الأندية الأدبية والمناشط الثقافية تعمل كما لو أنها قبل عشر سنوات نفس النمطية في التفكير ونفس الأدوات والموضوعات وأحياناً نفس الأشخاص، أيضاً حصر الفعاليات في مقرات الأندية ومواقع معينة، كذلك الاعتماد على المركزية في الإدارة، فلو كان العمل مؤسسياً سيختلف الوضع.
وأقترح بعض الحلول منها: تغيير الخطط والتوجه للجمهور مباشرة من خلال استغلال التقنية وعمل بعض الندوات والمحاضرات «أون لاين»، أيضاً التعاون مع الجامعات وعقد بعض الأنشطة فيها وفي أماكن أخرى كالمكتبات العامة، عمل حملات إعلانية مكثفة للإعلان عن المحاضرات والأنشطة، محاولة التدقيق في المحتوى الثقافي وعمل محاور تتناسب مع التوجهات الثقافية الحالية، تحسين بيئة الأندية الأدبية ومحاولة جذب كل مختلف واحتوائه بدل إقصائه.
إن تحرير الطاقات الثقافية المبدعة في أعمال أكثر انفتاحاً من الأعمال العادية مطلب من أجل الحصول على نتائج مختلفة، لذلك تغيير الأفكار والانفتاح الكلي على الثقافات الأخرى واستفتاء الجمهور ضرورة من أجل التغيير.