وحشة الأمس.. كيف الهرب؟
كيف نهرب من وحشة الأمس إلى برودة ودفء مشاعر اليوم؟ قد تكون الكتابة إحدى الأدوات التي أستخدمها لعرض فكرة، أو رؤية، أو مشاعر جياشة تتناثر على أرض الورق، فهي إعادة إنتاج للواقع، وفق منظور مختلف ونقدي أحياناً، لذلك لا يجب أن نتعكز على عكاز الإبهار والمبالغات، بل إن قوة الكاتب الأساسية تعتمد على سرعة النفاذ إلى أي قضية يريدها، فأنت ككاتب تقدم درساً في الاطلاع والثقافة والوعي والمتابعة، وهذا يعكس ثقافتك الواسعة ونظرتك التحليلية معبراً عن رؤية وموقف، قد تبرع في إبراز الوجه المأزوم لأي حدث، فالذات تحضر عبر اللغة، والأسلوب والتحليل، أذكر عندما بدأت أهندس وأؤثث عالمي الكتابي كأي مراهقة يأكلها ملح الطموح وتتلاشى أمام عنادها عقبات المستحيل، لم تكن الكتابة رغبة بل كانت شغفاً يعيش بداخلي ويلتهمني كالوحش الكاسر، كان لدي قلق عميق تُفشيه الكتابة لمواجهة سطوة الاكتشاف، كنت أشعر باستلاب مقيّد نحو الكتابة، جموح خاطف، ورغبة في التلاشي في عالمها، فعندما تغرق مراهقة بحبر الكتابة ما الذي تتوقعه منها بعد أن تكبر؟ الأكيد أنه في جغرافيا الكتابة، ما أكتبه لا يخلو من أفكار تحمل قضايا وهموماً وحالات إنسانية، وإن كانت لا تطرح حلولاً فهي في الأغلب قد تشير إليها، فالكتابة رسالة وتذوق ومتعة وانطلاق، وأكتب مستقلة عن كوني امرأة أو رجلاً، ففي الكتابة قد تتحول إلى ناقد سياسي، محلل اجتماعي أو ناقد ثقافي، فهي عملية تعبير عن صوت الآخر، لكن لابد من تبني مواقف وآراء، فلغة الانفتاح عالية جداً في عالمنا اليوم لذلك يجب استغلال هذه النقطة فيه.
وهُناك قاعدة مشهورة في العمل الصحفي تقول: «إن الخبر مُقدّس والتعليق حُر»، وهذا يعني أن الكاتب حُر حرية مطلقة في التعبير عن رأيه ووجهة نظره. وأي نص أدبي أو مقالة يجب أن يحتوي على العديد من العناصر وهي: الفكرة، والهدف من المقال، واللغة والأسلوب. وهناك فرق بين الكتّاب، فهناك الكاتب الصحفي الذي ليس بالضرورة امتلاكه أدوات الأديب اللغوية والتعبيرية، فلغة المقال الصحفي هي وسط بين لغة المقال الأدبي، ولغة المقال العلمي، بالإضافة إلى آراء الكاتب ممزوجة بثقافته، فلغة المقال هي لغة الناس والشارع التي يفهمها الجميع. إلا أن تجربة كتابة المقال هي تجربة أصعب من تجربة الكتابة في الفنون السردية الأخرى، ولكن من أجل أن تصل للقارئ يجب أن تكون صادقاً مخلصاً لما تقول، هنا ستنفذ إلى القارئ دون أي مجهود يذكر.