التناحر.. على المنابر
عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»
ما المقصود بإحياء الأمر؟
الذي أكد عليه إمامنا سلام الله عليه.!
إن إحياء أمر أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.. يتلخص في بابين:
أولاً:
نقل ما تحدث عنه أهل البيت، من علوم دينية وعقائدية وأخلاقية، خاصة بالمذهب أو التعاليم الإسلامية، المنصوص عليها في كتاب الله على لسان نبيه ﷺ..
لما لهم من الشأن الرفيع عند الله، وقرابتهم من رسول الله ﷺ، وإنهم أئمة الهدى من بعده..
لقوله ﷺ:
«إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».
وحيث أن الأرض لا تخلوا من إمام لكل زمان، أو من يكون أهلاً لتبليغ العامة بهذه التعاليم، وأن يكون النقل عنهم بصدق وأمانة، وبشكل هادئ وهادف ومؤثر، والمسؤولون المكلفون عن النقل أو التبليغ، هم فئة خاصة من العلماء ورجال الدين الربانين، الذين يتصفون بمكارم الأخلاق والكلم الطيب والخوف من الله سبحانه.. ليكون لهم تأثير كبير في قلوب الناس وفكرهم، لقوله عز وجل: ﴿إِنَّما يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إنّ اللَّه عَزِيزٌ غَفُورُ﴾، لما يشعرون به من عظيم المسؤولية أمام الله، والتصدي للشبهات العقائدية إذا ارتأى العلماء ذلك، ولا يجعلوها وراء ظهورهم بل يبحثوا لزيادة علمهم وتعليمه للعامة، من غير تشنج أو عصبية أو مغالاة..
ثانياً:
تبيان مظلوميتهم - أي «أهل البيت».. وما تعرضوا له من أذى ومتابعة من الفئات الضالة المنحرفة عن الحق.
فلذلك فقد حثوا على إحياء أمرهم واكثروا في الحث لشيعتهم، بأن يتخذوا منهج الإحياء في مجالسهم وتجمعاتهم، سواء مقروء أو مسموع..
فعن الإمام الصادق سلام الله عليه: أنه قال للفضيل بن يسار «تجلسون وتتحدثون؟، فقال الفضيل نعم.. فقال الإمام الصادق إن تلك المجالس أحبها ”الحديث أعلاه“، فإن من جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا، «لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» وسائل الشيعة /10 باب 66..
لكن!.
في الآونة الأخيرة ظهر على السطح من يخالف هذه القاعدة، بالخصوص من يؤول عليهم النقل أو التبليغ، انقسموا إلى قسمين.. وأغلبهم ممن يرتقي المنابر الحسينية.
فقسم منهم إذا بحثوا عن أمر، واتضح لهم غير المتعارف عليه أو المسلم به، ينقلوه بطريقة غير متقبلة من المتلقي، لما يغالبه من أسلوب السخرية وتصغير العقول!! متناسين أن هؤلاء المتلقين لم يعودوا مثل الأمس كما يصفهم الباحث بكلمة: «جهلة ومضحوك عليهم»
بالله عليكم يا علمائنا هل هذا أسلوب عالم رباني؟
أين أسلوب الإقناع بالكلم الطيب قال تعالى: ﴿وهُدُوا إلَى الطَّيِّب مِنَ الْقَوْلِ وهُدُوا إلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾.
والأدهى من ذلك، الرد من القسم الثاني المعارض لهذا الفكر أو البحث الجديد، يتحول إلى رفض وانتقاد لاذع، وتراشق بألفاظ فضة واستنقاص في المعرفة، وعدم الإلمام بالبحث، ويرد من الطرف الأول بالمثل..!
وهكذا يتواصل النقاش والتراشق بالكلام بطريقة لا تليق بمكانتهم العلمية والدينية، ومسؤولياتهم كرجال دين مسؤولون أمام الله، عما يتحدثون بما يخص العقيدة والموروث الديني للعامة من الناس.
في الوقت الذي من المفترض أن يتكاتف الجميع لخدمة هذا المذهب، والمحافظة على موروثاته العقائدية.
ولتلافي مثل هذه المشادات والاختلافات أمام الخاصة والعامة، ولأننا لسنا الوحيدين على هذا الكوكب.. ولا نتكلم في دائرة مغلقة كما الأمس..
فالآن بقصد أو غير قصد ننشر خلافاتنا واختلافنا على جميع أنواع وسائل التواصل، ونقدم مادة خصبة للانتقاد على طبق من ذهب لمن ينتهز الفرص.
فعلى العلماء والخطباء الأفاضل ممن يجتهد في مسألة أو بحث أمر، إذا كان دينيا أو عقائديا، خاص بالشارع المقدس، فليرجع إلى المرجعية الدينية ويصدر بياناً من تلك المرجعية التابعة لذلك الباحث.
وإذا كان البحث خاص بشعائر أهل البيت، يستشير بعض العلماء أو الحوزة العلمية فيما توصل إليه، ويتفق على الطرح بأكثر من منبر حتى لا ينفرد برأيه ولا يتقبل، وبالخصوص فيما يتعلق بالشعائر الحسينية، وأن يكون الطرح موجه وغير منفر، ويؤخذ بعين الاعتبار أن ما يطرح لكل أطياف المجتمع ومختلف المستويات العقلية والفكرية والعمرية، ومراعاة مشاعر المستمع، فليس من المعقول أن تقنع بفعل أو تنهى عن فعل آخر باستخدام التجريح، أو تقلل من شأن من يخالفك الرأي وتتهمه بعدم المعرفة.. وأين؟؟
على ذلك المنبر الحسيني، الذي خصص للتوجيه والإرشاد، وتعزز من خلاله القيم الأخلاقية، والمبادئ الإسلامية والعقائدية التي ضحى الحسين من أجل بقائها بنفسه وعياله.
وما ذنب المتلقي؟
ويثق بمن؟
إذا اختلفتم في هذه القضايا التي تمس معتقداته..
فبالنسبة لقضية الحسين سلام الله عليه..
فقد دأبت الناس على ممارسة طقوس خاصة لهذه الثورة، وغدت مصدر إلهام للشعراء والرواة،
ومما لاشك فيه هناك زيادة من الرواة في وصف الأحداث وأبيات شعرية بنيت على ذلك الأساس، وأيضاً لُحن أغلبها بطريقة غير لائقة بأهل البيت، وممارسة طقوس يعتبرها البعض سببا للمغالاة والمبالغة والتضخيم للأحداث، ومؤكد أن القصد منها ليس الإستغفال والاستخفاف بالعقول، إنما من منطلق عاطفي ووجداني بحت لما تحمله آل بيت النبي من مآسي وأعظمها وأشدها مصيبة الحسين سلام الله عليهم أجمعين، وإحيائها في كل مجتمع شيعي في شتى بقاع العالم كلٌ حسب طريقته وموروثه، وأصبحت بمثابة الهوية التي يُباهى بها...
لذلك يرجى الانتباه لمثل هذه الأفكار والطروحات.. فالمذهب يمر بمنعطف خطر، وبالخصوص من فئة ثالثة ذهبت لأبعد من ذلك!!.. لحد الجرأة على كتاب الله.
فالخوف ليس من المغالين كما يعبر عنهم!
إنما الخوف من المتذبذبين ومتزعزين الإيمان والنشأ، من هذا الانقسام ممن يمثلون الشريعة السمحاء، وتهمش القضية الحسينية وحتى العقيدة لقول الرسول الأكرم ﷺ «يأتي زمان على أمتي، القابض على دينه كالقابض على الجمر».
نسأل الله حسن التوفيق والسداد لعلمائنا ويحفظهم، ولهذه العقيدة بالثبات ضد هذه التيارات والله الموفق.