70 عاماً في البحث عن السلام
هل يجادل أحد أن السلامَ هو الطريقُ الوحيد للاستقرار، والسبيل الضامن لتحقيق التنمية، والرفاه..؟، لكنّ السلام لا يقف عند وقف الصراعات والممارسات العدائية فحسب، في مفهومه يتعدى صمت المدافع واطفاء النيران، بل بخلق بيئة تتسم بالعدالة والمساواة والطمأنينة والأمن.
السلام هو «حقّ» للشعوب التي تسكن هذا الكوكب، وهو الحق الذي اقرّته الأمم المتحدة في إعلانها بشأن «حق الشعوب في السلم»، حيث أكدت «أن الهدف الرئيسي للأمم المتحدة هو المحافظة على السلم والأمن الدوليين»، وأنها «تعلن رسميا أن شعوب كوكبنا لها حق مقدس في السلم».. السلم القائم على القانون ومنع الحروب والكوارث وتحقيق العدالة والرفاهية.. فالسلام هو نقيض الحرب، لكنه لا يتحقق أيضاً مع الفقر والجوع وانعدام الفرص المتساوية، وعلى الصعيد الأممي، اطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان الدولي للسلام في عام 1981 وتم تخصيص يوم 21 سبتمبر ليكون ثابتا في كل عام يوماً للسلام العالمي.
وفي هذا العام اختارت الأمم المتحدة التذكير بالنضال الدولي لتحقيق السلام الذي يمتد لسبعة عقود من الزمان، فكان موضوع اليوم الدولي للسلام لعام 2018 هو «الحق في السلام — 70 عاما منذ إقرار الاعلان العالمي لحقوق الإنسان»، وهو الإعلان الذي صدر في باريس في 10 ديسمبر 1948.
وتأمل الأمم المتحدة، أن تجدد هذه الذكرى المسؤولية ببناء مستقبل يسكنه السلام والتعايش والعدالة والتنمية والمساواة بين الشعوب ومناهضة التمييز بين الناس والفئات وبين الجنسين، مع اقرار حقوق الفئات الأقل نمواً، وفي الحق في التعليم والتنمية. والتعليم جزء من استراتيجية السلام، وفي سبتمبر 2013 رفعت الأمم المتحدة شعار «التعليم من أجل السلام» ودعت للاستثمار في التعليم الذى يشجع الأطفال على تبنى المواطنة العالمية على أساس قيم التسامح والتنوع.
السلام يوفر البيئة الصالحة لقيام العدالة، بدونه تفقد العدالة قوتها وهيبتها، وهو مثلما يضمن الاستقرار، والتعايش بين افراد المجتمع، فإنه يوفر المناخ للتعاون ولتحقيق الازدهار وتوفير الرخاء. وكون السلام هدف من اهداف التنمية لا يمكن ان يستمر ويتوسع الا اذا كان مقترنا بتحقيق العدالة للشعوب سواء للأفراد او المجتمعات، كما انّ السلام لا يمكن ان يتوافق مع الفقر وغياب التنمية، ولا قيمة له في ظل غياب كرامة الانسان والاستهانة بحقوقه، وعلى راسها حق الانسان في العيش الكريم وحقه في التخلص من الفقر والجهل والمرض.
في «اليوم العالمي للسلام» يتم الاحتفاء بقوة التضامن العالمي لبناء عالم السلام، حيث تتيح هذه الذكرى فرصة متميزة لتأكيد التزام الامم المتحدة بالغايات التي انشئت لأجلها، والمبادئ التي قامت عليها لاسيما اعلانها بحق الشعوب في السلام ونبذ العنف.
وقد ورد في ديباجة ميثاق الامم المتحدة «انّ الغرض من انشاء المنظمة هو منع نشوب النزاعات الدولية وحلّها بالوسائل السلمية والمساعدة على ارساء ثقافة السلام في العالم»، كما اشار الاعلان الى ان «تعزيز السلم امر حيوي للاستمتاع بكامل حقوق الانسان». وقد دعا الامين العام للأمم المتحدة جميع الحكومات والمجتمعات المدنية في العالم للعمل على حل الازمات وفض النزاعات من خلال العمل السلمي والحوار لتحقيق السلام. ولا يخفى على الجميع مع حلول هذه الذكرى وما مرت به المنطقة من مراحل حرجة وصراعات عنيفة كان اهم مسبباتها هي الصراعات العنصرية والطائفية والدينية التي حجبت عنا النهوض والتنمية وجعلت مجتمعاتنا تقبع في اوحال التخلف، وادت الى ما ادت اليه من ارهاب وفساد وضغائن واحقاد لازالت اثارها مستمرة حتى اليوم مما يدل على اهمية حاجتنا لان ننعم بالسلام، ومن اهم ادواته ارساء قواعد المواطنة وسيادة القانون والعمل على نشر ثقافة التسامح الديني والتعايش السلمي فلا يمكن ان تكون هناك تنمية في اي مجتمع، الا اذا كان التسامح والتصالح سائدا على المستوى المحلي والخارجي، وذلك لأن السلام هو مفتاح التنمية بعيدا عن اي مؤثرات داخلية او خارجية.
ولا يمكن التوصل الى سلام اذا كانت هناك مناطق تعاني من الفقر ومن الحاجة ومن عدم القدرة على الحصول على المتطلبات الاساسية، فالدول الاعضاء في الامم المتحدة عندما اعتمدت اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر عام 2015 كانت تدرك ان العالم الذي ينعم بالسلام يجب ان يتبنى اتخاذ خطوات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكافة الشعوب في العالم اجمع، وبين الاهداف الذي تم اعتمادها الهدف «السادس عشر» الذي يتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية القادرة على تعزيز ذلك، وهذه المؤسسات يجب ان تسعى لتعزيز السلم وان تنعم به، بمعنى ان لا تقتصر التنمية على جهات او مناطق معينة بل المجتمعات كافة.
ولا يمكن ان نتحدث عن سلام واستقرار وطمأنينة وهدوء دون الحديث عن تنمية مستدامةً تعمل على معالجة البطالة وتوفير فرص العمل وتحقيق الرخاء للجميع وتوفير الطعام والغذاء اذ لابد ان يكون متوفرا محاربة للفقر والجوع.
ان الحق في السلام بات الشغل الشاغل اليوم للأمم المتحدة وهو عنوان عام 2018 فسبعون عاما مرت منذ اقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يؤكد على حق الانسان في: التعليم، العمل، الصحة، الغذاء، المسكن، التعبير عن الرأي، والحق في الحياة الكريمة، وكل هذه الحقوق يستذكرها اليوم العالمي للسلام من أجل التأكيد على مسؤولية الدول التي وقعت على الالتزام بها، وهي ايضاً فرصة لتفعيل دور المجتمع الدولي المتراخي في بناء وتدعيم اسس السلم والاستقرار العالمي من اجل النهوض بالدول النامية وتعزيز التنمية المستدامة، ومن اجل التذكير بحقوق الانسان والحث على احترامها وتحقيقها.