مشروع تلويث الفطرة البشرية
سأقول أخجلني وأبرأ مما جاء في مقابلة مع مسؤول العلاقات العامة في مكتب المرجعية الشيرازية بكربلاء السيد عارف نصر الله، حيث وصف من يعارض طقوس التطبير بأنه“ابن زنا”، مستدلًا بحسب رأيه بحديث الرسول الذي قال فيه:“يا علي لا يبغضك إلا ابن زنا”، مدعيًا انه أصل من أصول الدين، معبرًا عن خشيته على أبناء الشيعة المعارضين..!!
كثيرًا ما نصادف تلك المناوشات والمهاترات التي تقوم على هامش الاختلاف في الرأي، ومن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر في أي موضوع، سيما في المواضيع الدينية والعقدية التي لم يرد فيها نص قرآني صريح، ولكني من هذا المنطلق لعلي أحتاج أن أقف وقفة وعي حول ما نصطدم به كل عام خلال مواسم عاشوراء.
تعددت الآراء وتمايزت ردات الأفعال وعلت الأصوات ما بين مؤيد ومعارض ومندد ومحارب، ولكن من غير الطبيعي مصادرة الآراء والدخول في النيات، والأدهى والأمر النيل ممن يعارض الفكرة وكأننا في ساحة حرب. ولكن بعيدًا عن كوني معارضًا أو مؤيدًا لبعض الطقوس التي كثر حولها الكلام أودّ التوضيح ببعض النقاط..
أولًا؛ يا من تؤيدون وتحملون أنفسكم مسؤولية التشجيع على هذه الطقوس _ولا أعني بذلك الاستفزاز من هذه الكلمة فأنا ضمن رأي ديني صادر من علماء فضلاء يرون صحة هذه الكلمة_ هناك من لديه رسالة خطورة هذه الطقوس على الدين والمذهب وحتى البشرية، فكما لكم رسالة لهم رسالة أيضًا، وبالتالي من غير الصحيح أن تكمموا أفواه من ينتقد ويشجب بل ويحارب. تعودنا من حيث لا نشعر أن تشخصن الفكرة قبل قراءتها بمعنى أننا ننظر إلى «من» قال، لا إلى «ما» قيل، وعليه قد تصدر أفكار ورؤى بنّاءة ولكن كونها تنافي أو تناقض كلام عالم أو مرجع فهي مرفوضة جملةً وتفصيلًا وهذه كارثة من ضمن عدة كوارث نعيشها.
ثانيًا؛ قد يقول قائل بأن التخصص مطلوب وهذا ليس من شأني ولكن موضوع الطقوس نابع من منطلق عقدي، إلا أنه أصبح موضوعًا اجتماعيًا بحتًا وأصداؤه خير دليل، وإن سلمنا جدلًا فاعتبروني أتّبع بنقدي له علماء لا يؤيدون ذلك.
ثالثًا؛ ظاهرة التقديس المقيتة للمراجع والتي تركت الويلات وكأن المرجع معصوم من الخطأ، قد جعلت من مجتمعنا المحترم يحارب ويؤيد ما يعتقد به مرجعه وإن يرى الصواب أو الاقتراب من الصواب عند غيره، وأعتقد بأنه يعتبر ذلك تكليفًا عسكريًا أو عفوًا شرعيًا. إذا كان القرآن الكريم بعظمة شأنه «حمّال أوجه» واختلف في تفسيره وفهمه الكثير حتى سُفكت الدماء واُنتهكت الأعراض انطلاقًا من تفسيره الخاطئ، والدواعش خير مثال، وما أكثرهم بيننا ولو مُكّنوا لارتكبوا الجرائم مثلهم تمامًا، فكيف بالاستناد إلى روايات تاريخية وتأويل ركيك يناقض الفطرة البشرية، كما فسّر العالم الفذّ بأنه يشك في نطفة من يحارب التطبير، والأمثلة حول هذا الشأن تطول.
ختامًا؛ أقول للإخوة المعارضين والمعترضين ابقوا في مشروعكم وشجعوا على ما تسمونه الشعائر واتركونا وشأننا، فنحن نرى بأن هذه وباء ووبال على شبابنا ومنطقتنا وديننا ووطننا بل وعلى فطرتنا البشرية التي لا يمكن أن تقبل هذه الكوارث.
المجتمع اليوم واعٍ وليس مغيب العقل، يطرح تساؤلاته ولا يأخذ بالأمور دون معرفة جوانبها، وإن لم يكفه فالتاريخ خير شاهد، وسيعيد التاريخ نفسه إن لم نتعظ من هذه الطقوس التي باتت تتفشى في المجتمع وكأنها من أصول الدين والمذهب. وكلي إيمان بأن الجنون في الحسين وعي واتزان وفهم عميق لأهداف المعصوم، بعيدًا عن الجزع، والجنون العاطفي المؤقت.