آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الكفاءات رصيد المجتمعات وميزان قوتها

أديب أبو المكارم *

تقاس قوة المجتمعات بالكفاءات النوعية لأفرادها. لهذا على المجتمع أن يكتشف الكفاءات وينميها ويعطيها المكانة فهي رصيده وقوته. كما أن على الفرد نفسه أن يكتشف مواهبه وينميها، وأن يبرزها على المستوى الوطني والعالمي. الانكفاء والتواضع خذلان للذات وللمجتمع. ومجتمعنا بحمد الله يزخر بكفاءات تميزت على المستوى الدولي ومن الواجب علينا تقديرهم. هذا الموضوع تناوله سماحة الشيخ حسن الصفار في محاضرته العاشورائية التاسعة لموسم عاشوراء 1440 هـ  تحت عنوان: تنمية الكفاءات وإبرازها.

المحور الأول: الكفاءات ثروة المجتمعات.

لا تقاس الشعوب بكثافتها السكانية. فليست الأمة الأكثر عددًا هي الأرقى والأقوى. ولا بثرواتها المادية، فهناك دول ذات موارد طبيعية ضخمة، لكنها في مصاف الدول الفقيرة.

المقياس الحقيقي هو القوة النوعية، والذي يتمثل في الكفاءات من أفرادها. حتى لو كان محدود العدد: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة»، ويصف الله تعالى نبيه إبراهيم الخليل: «إن إبراهيم كان أمة»، مع أنه فرد ولكن لتميزه ومكانته وفضله. فالتميز النوعي أرجح من التميز العددي. فبالكفاءة يتقدم المجتمع ويقوى وينال احترامه بين المجتمعات الأخرى. لهذا تفخر الأوطان بكفاءاتها، الإمام الباقر يقول لتلميذه أبان بن تغلب: «اجلس في مجلس المدينة فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك».

هناك شركات ميزانياتها تفوق ميزانيات دول لتميز الكفاءات التي عندهم. وهناك دول لا تمتلك موارد مالية كثيرة ومع ذلك كونت ثاني اقتصاد في العالم مثل اليابان.

لهذا لا بد أن نهتم بتربية الكفاءات، وتنميتها.

عمر جائزة نوبل الآن يقارب 104 سنوات النصيب الأكبر من الجوائز للأمريكيين حصدوا 250 جائزة، أما الدول العربية مجتمعة فحصدوا 7 جوائز فقط! ذلك لأن الدول المتقدمة المتحضرة تنمي الكفاءات وتجتذبها. يقدر عدد المهاجرين للغرب 100 ألف سنويًا. أما البيئة العربية فهي طاردة للكفاءات. نحن معنيون بهذا الأمر، إذا كنا نحب أنفسنا وأوطاننا فعلينا أن نهتم بتنمية الكفاءات وإبرازها وتقديرها.

المحور الثاني: كيف تنمو الكفاءات.

منح الله كل إنسان طاقات ومواهب، ولكن عليه أن يكتشفها وينميها. فثمة من لا يلتفت إلى قدراته، وثمة من يلتفت ولكنه يكسل عن تنميتها. على أنبائنا ألا يميلوا للدعة، وعليهم أن يحبوا العلم ويعشقوه. الكفاءة تأتي بالجهد والتعب وليس ضربة حظ.

وادعاء أن الظروف لا تساعد مجرد تبرير، فالكفاءة تسخر المستحيل لتحقيق ذاتها. أديسون مخترع المصباح الكهربائي و1100 اختراع، كان يعاني في صغره من ضعف السمع، ترك المدرسة، واعتنت به أمه. كافح وباع الصحف على الأرصفة، وفي وقت الفراغ يمارس مواهبه وتجاربه.

على أبنائنا ألا يركنوا لوساوس الشيطان، وأن يواجهوا الحياة بتحدٍ. الأديب عباس محمود العقاد درس للسادس الابتدائي، لكنه تعلم ذاتيًا صار يقرأ الكثير وينام الليل قليلًا، ذكر في سيرته أنه قرأ 60 ألف كتاب في مختلف الصنوف وألف أكثر من 120 كتاب.

الدور الثاني يكون للأسرة. عليها أن تكتشف ملامح النبوغ عند أبنائها وتنميها. الأسئلة عند الطفل مؤشر نبوغ، فلا بد من التحاور معه حتى تقوى شخصيته.

وللمجتمع الدور الثالث. عليه أن يوفر الجمعيات ومراكز الأبحاث، فالتعليم الحقيقي هو الذي ينمي الفكر ويفجر الطاقات، وليس ذلك الذي يوفر الوظيفة فحسب. عندنا في المملكة الآن مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والابداع، بالشراكة مع مدارس التعليم الخاص والعام. إضافة إلى برنامج الابتعاث لأفضل الجامعات. هذه البرامج مشجعة وعلينا أن نهتم بها ونزيد منها.

المحور الثالث: تقدير الكفاءة

على صاحب كل كفاءة أن يظهر كفاءته. فمن يخجل يئد مواهبه وقدراته، فلا بد من الثقة بالنفس، فهو جانب من النعم التي يحب الله تعالى أن يرى أثرها على عبده. فالشاعر يظهر نتاجه الأدبي ولا يقتصر على المستوى المحلي فالفضاء واسع، والمخترع والمكتشف كذلك.

المشاركة في المسابقات المحلية والدولية. التعلل بالتعفف وعدم حب الأضواء هذا غير صحيح. المشاركة مطلوبة ولو رفعة إلى مجتمعك وأسرتك.

الدخول في الجمعيات التخصصية. مثل جمعيات الفنون والآداب، جمعيات المهندسين، على صاحب كل تخصص أن ينضم إليها، وإلى الجمعيات الدولية حسب الأنظمة المتاحة.

الانعزال والانكفاء على الذات لا يقدم. في مجتمعنا علماء دين لا يقل مستواهم عمن هم خارج الوطن، لكنهم لا يبرزون أنفسهم، ولا يطرحون بحوثهم، وهذا غير صحيح، فعلى العالم أن يظهر علمه.

المجتمع مطالب بتقدير كفاءاته. يتميز الشعب المصري بهذا الأمر، إذ يطلق ألقابًا على كفاءاته ليبرز مكانتهم. كأمير الشعراء أحمد شوقي، وعميد الأدب العربي طه حسين، حتى بلدهم أطلقوا عليها أم الدنيا.

بعض الكفاءات عندنا يعرفون خارج بلادهم وهم في مجتمعنا مغمورون. متعارف عندنا: حمامة الحي لا تطرب. هذا مظهر للتخلف، المجتمع الإيجابي يقدر الكفاءات ويحترمها. بعض الناس تكون عندهم حالة نرجسية وحساسية مفرطة، يزعجه مدح غيره من أهل بلده، وأحيانًا تكون عنده حالة فئوية فينزعج من مدح من هم ليسوا من جماعته.

علينا أن نحترم كافة الرموز والطاقات فهم رصيد للمجتمع وإن اختلفنا. كما أن علينا تقدير كافة الكفاءات في الجانب الأدبي والعلمي، وألا نحصر الأمر في احترام علماء الدين فقط.

كفاءات من القطيف والأحساء:

يزخر هذا الوطن بكفاءات وطاقات مشرقة. وعندنا في منطقتي القطيف والأحساء كثير من المبدعين وأهل الكفاءة ولو اتسع الوقت لذكرتهم ولكن أشير إلى بعضهم، حيث أشرت إلى قسم منهم في محاضرات أخرى، فإني أرى من الواجب عليّ الإشادة بهم وذكرهم.

 أ. د. أحمد اللويم من الأحساء. رئيس الجمعية السعودية للبيطرة، وهو مثقف كتب أبحاثًا مهمة عن الاحساء.

 د. عبدالجليل الخليفة من الأحساء. الرئيس التنفيذي لشركة دراغون اويل. وهو أول آسيوي يفوز برئاسة جمعية مهندسي البترول العالمية.

 الأديب المبدع جاسم الصحيح من الأحساء. شاعر لامع حقق جوائز عديدة على المستوى الوطني والدولي.

 د. جعفر آل توفيق من القطيف. حصل على الزمالة الأمريكية في علم الأمراض المعدية والسارية. أحد ألمع شخصيات العالم على المستوى الطبي وحائز على العديد من الجوائز المحلية والعالمية.

 أ. د فؤاد محمد السني من القطيف. عالم في مجال تخصصه هندسة النظم. له إنجازات علمية مقدرة في الأوساط العلمية، ساهم في وضع مناهج التعليم بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

 د. زكي الميلاد من القطيف. شخصية بارزة في العالم العربي، مشارك فاعل في عدة مؤتمرات. قدمت حوله 12 رسالة جامعية. له نظريات عدة أبرزها تعارف الحضارات.

ومن الجانب النسائي:

 أحلام محمد العوامي حصلت على جائزة الأمير محمد بن فهد ثلاث مرات، وهي كفيفة منذ الولادة. والمخترعة آلاء سلمان القرقوش، ورقية العجاج. هي أيضًا كفيفة تفوقت على المبصرات، والدكتورة فاطمة قريش.

الأسماء كثيرة والإنجازات عدة نسأل الله التوفيق للجميع.

العوامية