آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

الانبهار بالآخر

الدكتور أحمد الجبر *

كالعادة قد يبدو كلامي غريبا متحاملا. هذا لا يهم، فقط ركز على الفكرة التي أطرحها هنا. حديثي عن الانبهار بثقافة أخرى.

عندما تبتعث للدراسة في أمريكا العظمى. ستكتسب اللغة أولا ثم ستكتسب العلم. العلم الذي ستحصل عليه متوفر في كل مكان في العالم. حين تدرس المعادلات التفاضلية في الرياضيات مثلا. هذا المنهج هو نفس ما يدرسه الطلاب في الصين. ومنهج الدوائر الكهربائية الذي يدرس في معهد ماسيشوتس للتكنولوجيا هو نفس المنهج الذي يدرس معهد الهند للتكنولوجيا في مدراس. بامكانك الاطلاع على المناهج على يوتيوب للتأكد بنفسك إن أحببت.

قد تتعلم الكثير من ثقافة وتاريخ الشعب الذي تدرس عنده وهذا شئ جيد لا غبار عليه. إضافة الى الايجابية الكبيرة من الانفتاح والاحتكاك بالشعوب والخروج من شرنقة القرية الى العالم الأوسع. بالإضافة الى ذلك، هناك تأثير آخر لا علاقة له بالدراسة ألا وهو الانبهار الذي يصيب بعض. أكرر، بعض المبتعثين وهو ما اريد الحديث عنه.

عندما تطأ أرضا غريبة، سيصيبك نوع من الإنبهار من هذا البلد المختلف. ستنبهر عندك دخولك المترو الذي وصل في وقته بالدقيقة. ستنبهر عند ركوبك التاكسي بدون مفاوضات سخيفة. ستنبهر حين توصل طفلك المدرسة وتتذكر أستاذ سمير كيف كان يستقبلك بالخيزرانه. هذا الانبهار سيقيم ويعشعش في عقلك الباطن وسيحكم الكثير من تصرفاتك لا شعوريا الى الممات.

بعض ممن عاد من رحلة الابتعاث لأمريكا مثلا لا يزال لا يشتري إلا الأجهزة الأمريكية ويتابع الأفلام والمسلسلات الأمريكية. قد يرجع البعض من أمريكا وهو يتابع بشغف دوري السلة الأمريكي للمحترفين مع أنه في حصة الرياضة كان آخر القسمة!. قد تجده يتابع البرامج الحوارية الأمريكية عن تجارة التبغ. لو أراد أن يشتري قطعة كنب. سيشتري قطعة كنب أمريكية. لو أشترى رواية فسيشتري روايات أمريكية. لو تحدث الى طفله الصغير فسيحدثه باللغة الإنجليزية. سيتمنى أن يشتري كلبا. سيظل يجاهد نفسه أن يبدو أمريكيا ما استطاع. حتى لو لم يشاهده أحد فهو يتصرف بصدق.

لا شعوريا، يتحول الإنسان وبسبب هذا الانبهار الى الالتزام بثقافة ذاك البلد البعيد. يمكنك أن تشتم القرية والبلد التي ولد فيها فلن يهتم. فهو انسان متحرر من قيود التزمت لبلده. لكن قل له أن المدينة التي درس فيها مدينة فاشلة!. وشاهد ردة الفعل.

كذلك يفعل المبتعث للصين. تابعت الكثير ممن درس في الصين وعاد على يوتيوب. أجد بريق الانبهار يلمع في عينيه حين يتحدث بكل فخر واعتزاز عن الصين، تاريخ الصين، ثقافة الشعب الصيني وكأنه منهم. كذلك يحدث هذا في كندا واستراليا وبريطانيا. بل ربما يقضي إجازاته الصيفية هناك عله يجدد العهد بتلك الأرض الساحرة.

كما ذكرت، يتحول هذا الإنبهار الى تصرف تلقائي يعشعش في اللاشعور. بسبب هذا الانبهار سيكره هويته وثقافته ومجتمعه المتخلف وسيظل يجلد ذاته صباحا ومساء.

على المدى البعيد، هذا العدد الكبير من المبتعثين سيتحولون في يوم من الأيام من موظفبن صغار الى مسؤولين كبار. حينها سيتحولون الى مندوبي مبيعات دون علمهم. لن يشتري هذا الذي ابتعث الى أمريكا الا التقنيات الأمريكية لشركته. سيحرص كل الحرص أن يوظف عقولا أمريكية. لن يثق الا بخريجي الجامعات الأمريكية. أما الجامعات الصينية من وجهة نظره فهي روضات أطفال.

وسلامتكم.