الإمام الحسين وابن خلدون
جاء في القرآن الكريم: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ﴿104﴾ سورة آل عمران.
قال : "ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي، يا أيها الناس إن رسول الله ﷺ قال: «من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله».
هذه الحلقة أجريناها في أحد رحلاتنا العائلية في احد ليالي شهر شوال للعام ألف وأربعمائة وتسعة وثلاثون هجرية، وبعد أسبوع من عيد الفطر المبارك، وعلى احد شواطئنا البحرية القريبة.
كنا مجموعة من عدة عوائل بين رجال ونساء وشباب وأطفال.
وصلت كل عائلة إلى الموقع المتفق عليه والوقت المضروب في سيارتها الخاصة تحسبا للطوارئ.
دار الحديث بيننا خلال انتظار وصول طعام وبداية المأدبة العشاء. وبعد أن قام من قام من الشباب والشيبة بجولة على القدمين حول المكان، واستمتاع ومرحه الأطفال بالإلعاب القريبة من مكان جلوسنا.
بدأ الحديث بيننا بسؤال من زوج ابنتي الصغرى، الذي فضل الجلوس والدخول في النقاش بعد نهاية جولته في المكان، قائلا ما هو عنوان حلقتنا هذه يا عم؟!
عنوان حلقتنا هذه هو «الإمام الحسين وابن خلدون».
مرة أخرى يا أبي، تأخذنا إلى التاريخ والى ابن خلدون، الذي ولد بعد استشهاد الإمام الحسين بسبعة قرون؟!
ولكنه يا بني مؤرخ إسلامي معروف ومشهور كتب عن الإمام الحسين وعن معركة كربلاء، ولقد انتقد الإمام في خروجه على يزيد.
وما هي النقاط التي تريد مناقشتها من فكر ابن خلدون؟!
من النقاط التي نريد مناقشتها وتفنيدها.
ثبوت فسق يزيد بن معاوية.
وجوب الخروج على يزيد لفسقه.
وجود المقدرة العسكرية للمواجهة.
مساواة خروج ابن الزبير بخروج الإمام الحسين .
اتهامه للإمام الحسين بالخطأ.
تناسيه للأحاديث النبوية والاهتمام السماوي بالإمام الحسين .
معرفة ابن خلدون بعد سبعة قرون بفسق يزيد؟!
دعنا نبدأ بالنقطة الأولى وهي ثبوت فسق يزيد؟!
ذكر المؤرخون إن ابن خلدون اثبت في مقدمته فسق يزيد بن معاوية وصحة الخروج عليه، ولكن!
ولكن ماذا؟!
وحسب كلام ابن خلدون يتوجب على من يخرج على يزيد أن يكون لديه العدة والعتاد ولديه السند والعضد.
فما هو موقفه من الإمام الحسين ؟!
في رأي ابن خلدون ينقسم ما قام به الحسين إلى شقين.
وما هو الشق الأول؟!
أن تحرك الإمام كان صحيحا بعد ثبوت فسق يزيد، ولكنه اخطأ في تقديره وعدم وجود القوة والقدرة التي تعينه لعمل التغيير المطلوب.
إذا لم يكن خطأ الإمام حسب تقدير ابن خلدون عقائديا ولكنه عسكريا، حيث انه خمن أن يزيد من سينتصر لحصوله على العدة والعتاد والرجال، وسيخسر الحسين لعدم امتلاكه للقوة العسكرية.
هذا صحيح، ولكن؟!
ولكن ماذا، الم ينتصر يزيد، ويستشهد الحسين وكل أنصاره ويساق من بقي على قيد الحياة من أهل بيته سبايا إلى الشام؟!
صحيح هذا، ولكن!!
ولكم ماذا، أليس قد انتصر يزيد؟!
لا، لأن ذكر يزيد وبني أمية قد امتحى من الوجود، كجبل الثلج من أن أتى عليه الربيع حتى ذاب ولم يبقى من تلك القوة وذلك الشموخ والعلو شيء.
وماذا عن الحسين؟!
الحسين لا يزال ذكره باقيا مستمرا من يوم استشهاده إلى يومنا هذا، وكذا ذكر الإسلام الذي أراد الأمويين القضاء عليه بقي خالدا إلى يومنا هذا، وباقيا إلى يوم الدين.
في هذا صدقت، وما هي الأخطاء الأخرى التي اقترفها ابن خلدون في مقدمته؟!
مساواته بين خروج ابن الزبير وخروج الحسين.
وكيف ذلك؟!
إن خروج ابن الزبير لم يكن لنصرة الإسلام وإعزاز الحق، ولكن طلبا للملك والإمارة، لذا أول شيء عمله بعد وصوله إلى سدة الحكم الاعتداء على أهل بيت النبوة والعصمة، كما اعتدى يزيد عليهم، فلذا امتحى ذكره من واقع الناس كما امتحى من ذاكرة التاريخ، كما انتهى ذكر يزيد وبني أمية.
ما هو الخطأ الآخر الذي قام به ابن خلدون؟
الخطأ الآخر الذي أقدم عليه ابن خلدون رغم كونه مسلما، تناسيه عمدا أحاديث الرسول ﷺ الذي لا ينطق عن هوى وانه إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، وان كلامه لا بد واقع لا محالة، وان أحاديثه أثبتت العناية الربانية السماوية لإعداد الإمام الحسين لذلك اليوم.
وهل هناك خطأ آخر أقدم عليه ابن خلدون في مقدمته؟!
أن ابن خلدون لم يلتفت أن لولا نهضة الحسين لم يكن ليعلم هو وباقي المسلمين بعد سبعة قرون من استشهاد الإمام الحسين بفسق يزيد ووجوب الخروج عليه.
غريب ذلك جدا، رغم كون ابن خلدون يعد مؤرخا يشار إليه بالبنان يتناسى أو ينسى عن عمد قدر الحسين ومنزلته، ولا يفرق بينه وبين ابن الزبير، ولكنه الهوى وحب الدنيا، ليس إلا.
عندها وصل العشاء فأوقفنا النقاش إلى حلقة أخرى، واتجهنا استجابة لنداء البطون.