الحميدي: نحتاج لمراجعة حساباتنا من «فوضى النشر».. والتقييم أمر «معقد»
في الوقت الذي تزدحم فيه الساحة الثقافية من الأدباء والكتاب والشعراء والروائيين والمسرحيين من جميع الجنسين فلابد أن يكون هنالك تمايز في الطرح ومع تغيرات الأزمنة، حيث احتل الشعر في الزمن القديم مكانته الكبرى ولم يكن للراوية حضورها إلى أن وصلنا إلى مرحلة يكن الحكم فيها من يتألق بالانتشار.
والفيصل بالحكم هم أهل الاختصاص لذلك أرادت «جهينة الإخبارية» أن تحط الرحال عند أهل الأدب ليجيب عن الاستفهام «القلم الأدبي إلى أين؟»، في حوارية أدبية مع الكاتب والناقد محمد الحميدي وهو من مواليد بلدة القديح بتاريخ 1978م ويعمل في قطاع التعليم من ال2002 ولايزال على رأس العمل حتى الآن، ولديه ماجستير في الأدب العربي والنقد الأدبي من جامعة المدينة العالمية «ميديو» بماليزيا عام 2013م.
ولديه عدد من الإصدارات المنشورة منها:
1 - السياق والأنساق ”ما السياق؟ ما النسق؟“ صادر عن دار النفائس للنشر والتوزيع 2013م
2 - خارج الزمن ”دراسة في الخطاب“ صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2013م وتوزيع دار العلوم ناشرون.
3 - العروج ”نص شعري“ صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2013م وتوزيع دار العلوم ناشرون.
4 - التحولات صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2014م وتوزيع دار العلوم ناشرون.
5 - صمت «رواية» صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2014م وتوزيع دار العلوم ناشرون.
6 - الحطام ”نصوص“ صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2014م وتوزيع دار العلوم ناشرون.
7 - الكتاب والتأليف صادر عن منتدى النورس الثقافي بالقطيف 2016م
8 - الشهداء ”كائنات الضوء لا تموت“ «رواية» صادر عن أطياف للنشر والتوزيع 2017م.
9 - صراع الأنساق الثقافية ”الجذور والمآلات“ صادر عن دار النفائس للنشر والتوزيع 2017م.
10 - جاسم الصحيح هل هو آخر الشعراء العرب الكبار المعاصرين؟ «تحت الطبع» وحصل على جائزة النقد الأدبي في مسابقة نادي المنطقة الشرقية الأدبي لعام 2005م وجائزة القطيف للإنجاز فرع الرواية 2017 وجائزة القطيف للإنجاز فرع القراءة النقدية 2017م
حينما نقارن بين زماننا الحالي والأزمان السابقة فنحن بالتأكيد سوف نظلم أحدهما، فما يتوفر للكتاب اليوم من الانفتاح على الميديا والإعلام لم يتوفر 5% منه للشعراء والكتاب قديما، وللأسف فكثير من الإنتاج السابق تلاشى واختفى من الوجود بسبب عدم وجود قنوات تحفظ هذا الإنتاج، ربما الاستثناء هنا يتعلق بالكتابات الدينية أو المتصلة بشخصية تنتمي للسلك الديني حيث يتم الاحتفاظ بها ومحاولة نشرها في بيروت أو دمشق أو العراق ثم جلبها إلى المنطقة، وهو ما أصبح حاليا في حكم ”عدم الحاجة إليه“، فمع دخول دار أطياف للنشر والتوزيع الساحة الثقافية بات لدى الكثير من الكتاب والشعراء إمكانية طباعة كتاباتهم في المنطقة، وهو ما يعتبر عاملا من عوامل دفع الحراك الثقافي والأدبي.
سابقا الإنتاج الأكبر يختص به الشعر وذلك يعود إلى ظروف المرحلة حيث لم تكن الرواية بذلك الحضور الكبير أو بذلك الوهج في الثقافة العربية وكذلك بسبب النظرة الدونية للنثر إزاء اللغة العليا ”الشعر“، وهو ما بات في حكم المتغير في هذا الزمان، إذ التنافس على أشده بين الرواية والشعر بل في بعض الأحيان ربما تفوقت الرواية من حيث الانتشار والمقروئية بسبب طبيعتها السهلة التي لا تحتاج إلى بذل الجهد والتفكير في الصور والأهداف التي تكتنفها، رغم بعض التفوق الظاهر إلا أننا نجد الشعر يعاود التألق والانتشار بكثافة وأظن السبب في ذلك يعود إلى أن بيئتنا تحتاج إلى الشعر وتطلبه في المناسبات المختلفة مثل الأحداث الكبرى كتفجير مسجد الإمام علي حيث تم نصب منصة للشعراء من أجل الإلقاء ومثل حاجة المنبر الحسيني والخطابة عموما للمزيد من القصائد الجديدة وأيضا حاجة العزاء بشكل مستمر للتجديد في القصيدة، هذه الأسباب تجعل الشعر في حالة تفوق دائم سوى بعض اللحظات التي استطاعت فيها الرواية أن تشق طريقها وسط هذا الزخم الكبير ولكنها سرعان ما تجد نفسها في منافسة شرسة مع الشعر من أجل الاستحواذ على القارئ.
يمكنني التأكيد بأن ثقافتنا ثقافة شعرية في المقام الأول وأن ذائقتنا الفنية تميل إليه وهو ما يجعل الاتصال بيننا وبين السابقين موجودا عبر القصائد التي تُلقى أو تُقرأ.
بشأن عرض الكتابات وتقييمها فالموضوع معقد، ورغم إيماني العميق بأهمية النقد ودوره في الارتقاء بمستوى النصوص والثقافة بشكل عام إلا أنني أيضا أعي المخاطر التي يتعرض لها الناقد ويمكن أن أذكر مثالا صغيرا وقع لي شخصيا منذ فترة ليست بالبعيدة حيث نشرت قراءة نقدية حول شاعر من الشعراء المعروفين في إحدى المجلات، أوضحت من خلالها القيمة الجمالية المتغيرة عبر مجموعة من إصداراته، ثم تفاجأت بعد مدة بأنه لم يكن راضيا بصنيعي، وانتهت العلاقة بيني وبينه إلى نوع من التوتر، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها أو هكذا آمل، فحديثي حول الإصدارات سيختص بالجانب الإيجابي.
من الكتابات الجميلة على مستوى الشعر لدينا ديوان نبوءة الطين للشاعر هادي رسول حيث يحاول تقديم تجربة تحمل طابع الاختلاف عن مستوى الكتابات الموجودة ويمكنني التأكيد على أنه نجح في ذلك، وإلى جواره نستطيع ذكر ديوان نبوءة وهواجس غفران للشاعر محمد أبو عبد الله وهذا الديوان حاصل على الإشادة ضمن جائزة القطيف للإنجاز في واحدة من دوراتها، وكذلك لدينا كتابات علي الشيخ وتجربته في القصيدة الومضة التي لا تتجاوز الأبيات الثلاثة أو الأربعة وهي متميزة على مستوى المنطقة ويمكن أن نجدها في ديوانه من ورق الجنة، طبعا لدينا الكثير من الشعراء المبدعين مثل سعود الفرج ورائد الجشي ومنير النمر وحسين آل عمار وأحمد الرويعي وفاضل الجابر وحسين الجامع والسيد أحمد الماجد ومحمد الماجد وياسر الغريب والقائمة طويلة، هؤلاء شعراء لهم أسلوبهم الخاص ومكانتهم المتميزة على مستوى المنطقة.
على مستوى النثر نجد كذلك عددا كبيرا من المبدعين وإن كان أقل من الشعراء فثقافتنا كما أسلفت ثقافة شعرية في المقام الأول تحتفي بالشاعر وتبلغ به عنان السماء بينما القاص أو المسرحي لا يحصلان سوى على فتات، ويمكننا البدء بالكاتب المسرحي عباس الحايك الحاصل على عدد كبير من الجوائز الخارجية والمحتفى به عربيا عن مجموعة من أعماله، إن ضعف الحركة المسرحية أجبر كاتبا مبدعا مثل الحايك على اللجوء إلى الخارج حيث يستطيع ممارسة فنه بحرية أكبر ويجد الإشادة هنالك، بينما لو بقي في المنطقة ولم يخرج لما عُرف ولما حصل على الجوائز وتم الاعتراف به كاتبا عالي المستوى، أما في مجال الرواية فيمكننا أن نذكر بعض الكتابات الجميلة مثل وصية إبليس لمنير النمر والمخطوطة المقدسة لحسين الغزوي وكذلك كتابات الروائية زهراء الغانم والروائي مضاهر اللاجامي وإن كان لي بعض التحفظ على المشاهد والصور الواردة في ثناياها، ولكن التحفظ لا يلغي القيمة الفنية التي تتمتع بها.
لدينا الكثير من الكتاب الصاعدين والحاصلين على الجوائز والمشاد بهم في المحافل المحلية والخارجية والتركيز دائما وأبدا على الجانب الشعري، فلدينا محمد أبو عبد الله وحسين آل عمار وأحمد الرويعي وأمين حيان هذه بعض الأسماء التي أتوقع لها اللمعان محليا وخارجيا شرط الاستمرار والتطور، وهناك الكثير غيرها بطبيعة الحال وما أذكره ليس أكثر من تمثيل للبعض، أتمنى من القائمين والمهتمين بالشأن الثقافي الاهتمام بهؤلاء الصاعدين ودعمهم وفتح الأبواب أمامهم حتى لا نخسر موهبتهم ونتحسر عليها كما هو الحال مع بعض الكتاب السابقين.
لنقرأ أكثر؛ هي العبارة السحرية التي تفتح الأبواب أمام الكاتب، فالإمام علي يقول: ”لولا الكلام يعاد لنفد“؛ ومعنى العبارة أنه ليس هنالك شيء من الأفكار والكلمات إلا وتم طرحه من قبل، وهو ما يحتاج الأديب إلى الأخذ به في كثير من الأحيان، فالقراءة تدفع العقل إلى التأمل والتفكير وتمده بالكثير من الخبرات والمعلومات وتعرفه على الأساليب وتصقل كتاباته وتجعلها ذات نكهة خاصة لا تشبه كتابات الآخرين، وبعد الانغماس في القراءة والبحث عن الجديد يمكن أن ننتقل إلى الخطوة الثانية المتمثلة في الكتابة، فعلى المبدع الذي يريد الحفاظ على موهبته وتنميتها أن يكتب باستمرار وفي جميع الأوقات ومتى أحس بالحاجة إلى إفراغ ما في رأسه، بهاتين الخطوتين يصل المبدع إلى المعادلة السحرية التي تكفل له الديمومة والاستمرار والتفوق.