آفاق الإنجاز وأولوياته «3»
للإنجاز مجالاته وآفاقه التي تتنوع بتنوع الفعل الإنساني فيما نجعله لذواتنا من طموحات وأهداف نسعى إلى تحقيقها في فضاءاتنا الحياتية المختلفة، تبعاً لما تختزنه عقولنا من منظومةٍ ثقافيةٍ نرتكز عليها في تحديد طبيعة الإنجاز الذي نطمح إليه ومجاله وماهيته، وما يختلج في قلوبنا من عواطف داخلية وميولات ورغبات ومشاعر وجدانية، الأمر الذي بجعل إنجازاتنا متفاوتة في استجابتها للأولويات والتحديات، وفيما تعكسه على مجتمعاتنا من الصلاح والخير والقيمة.
وما نراه في مجتمعنا العوامي من إنجازات متنوعة في ألوانها وأنماطها ليس إلا مظهرًا لسنة الاختلاف في الاجتماع البشري فيما ينتجه اختلاف البشر في قابلياتهم الفطرية وميولاتهم الذاتية واتجاهاتهم الفكرية من تنوع في أهدافهم وتفاوت في إنجازاتهم في طبيعتها ونتائجها وما تقدمه من ثراء وقيمة على المجتمعات الإنسانية في حركتها الدائمة في خط التقدم والنهوض الحضاري.
ولقد بيّن لنا ربنا في آيات كتابه الحكيم أن الحكمة من خلقنا متفاوتين في القابليات والإمكانات هي امتحاننا فيما آتانا من النعم والمواهب والقدرات المادية والمعنوية، يقول تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ».
وقوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ» جعلكم متعاقبين، بعضكم يخلف بعضاً، وأجيالكم السابقة تمهد الطريق لأجيالكم اللاحقة، لترثها في مسيرتها، وتخلفها في إنجازاتها في تعمير الأرض بالصالحات، إلى أن تتكامل حركة البناء الإنساني.
وقوله تعالى: «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ» إذ فاضل بينكم فيما أعطاكم، فجعلكم متفاضلين في قابلياتكم ومواهبكم، وشخصياتكم، وقدراتكم وإمكانياتكم، وكل ما أنعم عليكم من نعمه المادية والمعنوية، وقد جعل ذلك كله: «لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ» فالحكمة من تفاضلكم وتميز بعضكم على بعض فيما وهبكم الله من القابليات الذاتية والقدرات المادية ليس إلا ابتلاؤكم، لينفع بعضكم بعضاً، ويتخذ بعضكم بعضاً سخرياً، وليحملكم هذا التفاضل على أن تتعاونوا وتتكاملوا وتتحركوا بتلك النعم في إنجاز الصالحات التي تنهض بمجتمعاتكم وأوضاعكم.
إن منطق العقل والدين أن نطمح إلى الإنجاز الأحسن الذي يضفي قيمة حقيقية على الإنسان ويستجيب لأولويات المجتمع وأهدافه وطموحاته الكبرى، ويثمر في الفرد علماً وصلاحاً وخيراً، وفي المجتمع رقياً وتكاملاً، في أوضاعه الدينية، وعلاقاته الاجتماعية، وحركته العلمية والاقتصادية.
ومجتمعنا العوامي بفضل الله وتوفيقه أرضٌ طيبةٌ زاخرةٌ بالكفاءات التي لها رصيدها الوافر بالإنجازات في جوانبٍ شتى؛ علمية ومهنية، وفردية واجتماعية، والتي تتفاضل فيما بينها في قيمتها ومكاسبها ومنافعها، وكل ذلك جميل، لكنّ الأجمل أن نتطلع إلى انجاز الصالحات التي تضفي قيمة نوعية بالمنظور الاستراتيجي، ولها تماس مباشر مع أهدافنا الكبرى، ومن أبرزها الانجازات التربوية والاجتماعية والعلمية.
أما الإنجازات التربوية فهي تخضع لحجم الطموحات التي نضعها لأنفسنا في تربية أبنائنا، والتي ينبغي أن تحركنا في تنمية مواهبهم وشخصياتهم، وتزكية نفوسهم بالأخلاق الرفيعة، وتربيتهم على حب العلم والعمل الصالح، ليثمروا في مجتمعهم خيرًا ونفعًا وصلاحًا.
والإنجازات التربوية ينبغي أن نجعلها على رأس أولوياتنا، اليوم وغداً، في البيت، والمدرسة، ومؤسساتنا الرسمية، وأعمالنا الاجتماعية، لأنها تمثل ركيزة استراتيجية يقوم عليها بناء المجتمع.
ومن الإنجازات التربوية التي ينبغي أن نتطلع إليها على سبيل المثال لا الحصر:
1 - القضاء على المظاهر السلبية التي أخذت طريقها في بعض الأوساط الشبابية، من قبيل التجاوزات اللأخلاقية، والإجرام، وانتشار السلاح، والمخدرات.
2 - الاهتمام بالمراهقين وإخراجهم من الفراغ الذي تفرضه عليهم الإجازة الصيفية بملأ فراغهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
3 - الاهتمام بالموهوبين والمتميزين والعمل على تنمية شخصياتهم ومواهبهم، وتوسيع مداركهم المعرفية والعلمية.
4 - تربية الأبناء على العادات الحسنة في مختلف المجالات والأصعدة؛ الدينية، والأخلاقية، والعلمية، والاجتماعية.
5 - العمل على احتواء المجاميع الشبابية وانتشالهم من الاتجاهات السلبية وتوجيههم إلى مسارات نافعة وبناءة.
أما الإنجازات الاجتماعية فهي كذلك تخضع لما نطمح له من أهداف وفقاً لأولوياتنا وضروراتنا المجتمعية.
ومن الإنجازات الاجتماعية التي ينبغي أن نطمح إلى تحقيقها على سبيل المثال لا الحصر:
1 - تأسيس مجالس عائلية لتوثيق الترابط العائلي وتكريم المُنجزين.
2 - مكافحة الفقر والتكافل الاجتماعي.
3 - تأسيس مشاريع سكنية توفر السكن للشباب المقبلين على الزواج بأسعار ميسرة.
4 - تأسيس مراكز مختصة بالشؤون الأسرية مؤهلة لتقديم الاستشارات وإصلاح العلاقات الزوجية والتصدي لمشكلة الطلاق والعضل.
5 - توثيق الترابط الاجتماعي بين المؤمنين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم.