مع الخيل يا شقراء!
وصلتني قصة لرضيع في إحدى القرى الإفريقية والذي توفيت أمه الحامل ودفنت وهو في بطنها وأخرجوه بعد 4 أشهر وهو حي يرزق!. المشكلة ليست فقط في لا منطقية ولا عقلانية القصة بل أيضاً في تداول شريحة كبيرة من مختلف طبقات المجتمع الثقافية لها!.
لاحظت انتشار هذه الظاهرة الغريبة حيث يتناقل الناس القصص الخيالية واللامنطقية بشغف ويربطونها في كثير من الأحيان بقدرة الله سبحانه وتعالى كي لا تواجه بالتشكيك أو التكذيب، ومع أن الله سبحانه قادر على كل شيء لكنه خلق المنطق والأدلة ورزقنا البصيرة والعقل والذي هو أداة المنطق لنفكر ونقرر إن كان ما نتعامل معه هو شيء خاطئ أو صحيح أو يحتمل الصحة أو الخطأ.
وعندما يتداول الناس مثل تلك القصص اللاعقلانية وخصوصاً إذا قُرنت بالدين، فردات فعل المتلقين تذكرني بقصة الزعيم المهووس بالملابس والذي خُدع من قبل خياطين حيث أقنعاه أنهما سيخيطان له ملابس في غاية الجمال والروعة من خيوط الذهب والفضة لكنها غالية الثمن ومميزة جداً حيث لن يراها إلا الأذكياء، وفِي يوم احتفال رأس السنة تظاهر الاثنان بحمل الملابس وإلباسه إياها وخرج لشعبه وهو يتمخطر وأخذ الناس يمتدحون ملابسه الجميلة، ولَم يجرؤ أحد على الاعتراف بأنه عارٍ كي لا ينعتوا بالغباء ما عدا طفل صغير لم تلوث عفويته قوانين الكبار ولم يقيده التحليل العميق للأمور والخوف من نظرة الناس له من أن يتصرف على سجيته، حيث أشار إلى الزعيم وصرخ: لا يلبس شيئاً!. عندها أدرك الباقون أن الغباء ليس فقط صعوبة الفهم والإدراك إنما هو تصديق ما ينافي العقل والمنطق أيضاً.
وبالمثل رسائل السلاسل التي تستحلفك بالله أن ترسلها لعشرين شخصاً وأنها ستكون أمانة في عنقك ليوم القيامة، أو أرسلها لخمسين شخصاً، وإذا لم تفعل فقد خدعك الشيطان وحرمك من الثواب، أو أرسلها لمئة شخص خلال ساعة أو سيحدث لك أمر سيئ وربما تموت! وقد أسميتها كذلك لأنها ترسل من مجموعات لمجموعات أخرى بتواصل وعدم انقطاع مثل السلسلة.
كثيراً ما تصلنا أيضاً منشورات تتضمن كلمات مثل أثبت العلماء، أو توصلت الأبحاث العلمية، أو أكدت الدراسات.. إلخ. وهذه جميعها ما هي إلا مقدمات تتصدر المنشورات وتستخدم كبطاقة عبور لعقول بعض السذج ومن بعدها يبدأ نسج كل الخدع والأكاذيب التي يريدون حشو عقول الناس بها ثم نشرها وتوزيعها.
في الحقيقة لا أعلم كيف يفكر هؤلاء الأشخاص الذين يبتكرون مثل تلك المنشورات ويقومون بتوزيعها سواء مدركين أو جاهلين لما فيها من استنزاف لوقت وطاقة البشر واستخفاف بعقولهم، وبالمثل المستقبلون الذين لا يترددون لحظة في نشر كل ما يصلهم مهما كان غريباً أو غير معقول!.
يجب علينا أن نكون واعين لما نقرأ وأذكياء وانتقائيين لما نرسل، ويجب علينا تحري الدقة خصوصاً في الأمور التي لا تعقل فقد قيل ”حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له“، ولا يفوتني أن أذكر فكاهة منشور الطفل الضائع، والذي يناشد فاعلي الخير بإرجاعه للمنزل ومن وقتها لم ير الشارع أبداً، والسبب أن كل من رآه أمسكه وأرجعه لمنزله!.