مستقبل العلوم الطبية التطبيقية
الحياة لا تثبت على حال، بل تتغير وعلى أثره يواكب الناجح هذا التغير ويصيّره لصالحه. واللحظة التي نعيشها، الحلوة كانت أو المرّة، ما هي إلا نتيجة للتخطيط الذي خططنا له، وطالما أن للمستقبل وجود، ولكي نتفادى السقوط في السيء منه، علينا أن نستشرفه من خلال متابعة الدراسات المستقبلية التي تصدرها المراكز المعنية.
أودّ أن أركّز هنا على الطلاب والطالبات في السنوات التحضيرية، لا أقصد الكل، بل الذين لم يحالفهم الحظ في المنافسة لدخول تخصص الطب وبالتالي لم يعد أمامهم خيار آخر عدا تخصصات العلوم الطبية التطبيقية، التي لم تعد كما كانت قبل مدة قصيرة في المرحلة الثانية في ترتيب الأولويات بعد الطب. هذه الطريقة في التدرّج تتبعها أغلب الجامعات، وهي تضع الطالب أمام خيارات صعبة، إما المواصلة في تخصصات العلوم الطبية التطبيقية، وإما البحث عن فرصة جديدة في جامعة أخرى.
لقد نشرت صحيفة مكة ملخص لدراسة تحتوي على ترتيب المهن التي ستحظى بالأهمية والتي سيكون نصيبها الأعلى في سوق العمل. جُمعت الدراسة من 38 مصدر متخصص تُعنى بأبحاث الوظائف والمهن المستقبلية التي تترواح بين فترة 2020 - 2050.
لو تتبعنا الدراسة سنلاحظ أن القائمة تذكر الوظائف الصحية على استحياء، مهنة طبية في صلب التقنية! والعديد منها لم تأتي الدراسة على ذكرها، وأشارت أن الطبيب بمهنته المعروفة سيتحول إلى روبورت في السنوات البعيدة القادمة، لكننا هنا نركّز على المهن الذي تحوّلت اليوم فعلاً إلى الروبورت، وهي ما زالت الجامعات والكثير من الناس تعتبرها ذات بريق للمستقبل المهني. نركّز عليها تفادياً للأخطاء المستقبلية التي قد يقع الطالب فيها. بينما نصيب الأسد من المهن أصبح للتخصصات الإدارية والهندسية وتلك التي أوجدها التقدم الشره نحو الذكاء الصناعي.
قسم المختبر، على سبيل المثال، في القطيف المركزي قد بدأ فعلاً في الانتقال إلى الأجهزة التي تعمل ذاتياً، ضع العينة هنا، وستكون النتيجة في النظام، وبقايا العينة في الثلاجة للحفظ أوتوماتيكياً، أو ما يُعرف اليوم روبورتياً! ليس المختبر فقط، حتى الصيدلية سيكون صرف الدواء بطريقة روبورتية، مثل جهاز الصراف الآلي، ولا حاجة للعديد من الموظفين! وكذلك بقية الأقسام كالسجلات والتغذية والأشعة والبصريات.. الخ. الأمر ليس بالجديد ولكنه يتزايد، فقد بدأ الشميسي منذ فترة طويلة والولادة في الدمام يخطو خطاه.
أمّا وزارة الصحة فقد توقفت منذ مدة عن التوظيف إلا القلة القليلة، وبدأت في تنفيذ قراراها، لخفض الانفاق، في إغلاق الصيدليات في المراكز الصحية تدريجياً، وسيكون على المريض صرف الدواء من الصيدليات الخاصة المتعاقدة مع الصحة، وهذا يعني الاكتفاء من الموظفين لسنوات. ولم يعد الصراخ وطلب النجدة من الدولة كالسابق ينفع. باختصار إنّ الدولة ماضية في رؤيتها، وأنّ التحوّل قائم على قدم وساق نحو الروبورتية، وهذا بطبيعة الحال على حساب وظائف الإنسان الذي وقع في خطأ التخطيط الفاشل للمستقبل.
في نهاية المطاف، إذا لم يحالفك الحظ، ولم تجد فرصتك لدخول الطب فلا ترمِ نفسك في التخصصات التي سيطويها التاريخ، إبحث عن التخصصات التي يستشرفها المستقبل لكي يستشرفك!