توصية الشورى: المرأة السعودية والقضاء
«لم يعد العمل في القضاء اليوم حكرا على الرجل»، هي عبارة مختصرة للتوصية الجديدة التي قدمها أعضاء مجلس الشورى، الأحد الماضي، الدكتورة لطيفة الشعلان، والدكتور فيصل آل فاضل، وعطا السبيتي، والتي تقضي بتمكين الكفاءات النسائية الحاصلة على التأهيل الشرعي والقانوني من تولي الوظائف القضائية.
في الحقيقة تاريخيا، وعلى امتداد 14 قرنا، كان منصب القضاء حكرا فقط على الرجال في كل المجتمعات العربية والإسلامية، ويستندون في ذلك إلى أحاديث عن الرسول الكريم، تحذر من تولية المرأة أية ولاية عامة - والقضاء ولاية عامة - وتجعل من تولية المرأة لهذه المناصب العامة أمرا محفوفا بالخسران المبين.
وترسّخت هذه القناعة عند كثيرين، لتصبح جزءا من الموروثات الثقافية والاجتماعية عبر الأجيال المختلفة، والتي لا يجوز النقاش فيها، واستمر الوضع هكذا قرونا متوالية، حتى جاءت الآراء الجديدة، من قبيل الشيخ الطنطاوي الذي يقول «إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الرجل والمرأة في تولي المناصب، بما فيها القضاء، لأنه لا توجد نصوص قطعية تمنعها من العمل قاضية، بل أتاحت لها الشريعة الإسلامية مباشرة جميع الحقوق السياسية، والمشاركة في كل ما يخص الصالح العام».
ثم جاءت الأبحاث العلمية والبحث عن المصادر الموثوقة، فهذه الموسوعة الضخمة للإمام ابن حزم يقول فيها «وجائز أن تلي المرأة الحكم - القضاء - فإن قيل قد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، قلنا: ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة»، مثل هذه الآراء أسست في اقتحام المرأة العربية السلك القضائي، وأصبحت تمارسه اليوم في معظم الدول العربية، وهناك أكثر من 10 آلاف قاضية عربية، وتكاد دول شمال إفريقيا ودول المغرب العربي، مثل المغرب والجزائر تستحوذ على النسبة الكبرى منهن، ولا أحد يشتكي في هذه الدول من أن المرأة عاطفية لا تحسن القضاء، وهي أسطورة يرددها الدعاة المناهضون لدخول المرأة السلك القضائي.
توصية أعضاء مجلس الشورى السعودي تسير في الاتجاه الصحيح، خاصة أن المملكة اليوم تخطو خطوات متسارعة، لتمكين المرأة السعودية، وها هي اليوم توصي بفتح الباب أمام المرأة السعودية لتولي مناصب قضائية. علما بأنه لا توجد أي موانع نظامية، فنظام القضاء السعودي في المادة «37» لم يشترط الذكورة لمن يلي القضاء، وإنما أشار ضمن الشروط إلى أن يكون متمتعا بالأهلية الكاملة للقضاء.
هذه التوصية ليست بالغريبة حتى على مستوى السيدات الخليجيات، فمنذ عدة سنوات انخرطت المرأة الخليجية في العمل القضائي، ففي البحرين تم تعيين أول قاضية في 2006، وتبعتها الإمارات في 2008، كل ذلك يستدعي منا التساؤل عن حق المرأة السعودية الحاصلة على التأهيل الشرعي والقانوني الذي يؤهلها إلى الترشح، والعمل في السلك القضائي، وأعتقد أنه في حال إقراره سيكون حدثا استثنائيا له دلالات عميقة للمملكة الجديدة، فهو أولا: يأتي تتويجا لسلسلة من الخطوات القيادة نحو تعزيز حقوق المرأة، وتمكينها من ممارسة دورها التنموي الفاعل، وثانيا: أن مسيرة الإصلاح الاجتماعي بالمملكة تتحقق بفترات سريعة وقياسية، وأعتقد أنه ليس بحلم بعيد المنال أن نسمع قريبا بأن المرأة السعودية أصبحت ليست قاضية فقط، بل عضوة كذلك في مجلس القضاء الأعلى.