عند المنكسرة قلوبهم...!
حين ناجى موسى ربه.. سأله أن يا رب.. أين أجدك؟ فقال الله له: تجدني عند المنكسرة قلوبهم..!.
ربما لأن رحمة الله قريبة المنال منهم، وربما لأنهم حين إذ الأكثر صدقا معه والأكثر قربا منه، وربما لأنهم حين ذاك الضعف الحاضر، والعجز المكتمل، والشتات المحير..!.
وكسر القلب كثيرة أسبابه، قليل جبره، قليل الرحماء بأهله.. وحين يتباعد الخلق بطبع الخذلان، يحضر الخالق برأفة الرحمة وجلال المغفرة.
ربما أنكسر القلب عند الفقر الفاضح للعجز..، أو عند مهانة الطلب في ضراوة عوز، وحيرة النفس في لحظات الخدلان.. خدلان الثقة.. وخدلان الحب.. أو غدر المؤتمن... أو مرارة الفقد..
أو ضعف المرض.. أو عار الفضيحة المعلق على باب معصية قبضت عليها ألسنة ليست العفة من صفاتها ولا الحشمة من طبعها.
الإنسان من أسمائه الضعف، أو هو جسد الضعف وحاضره..!.
رأيت أطفالا منكسرة قلوبهم بيتم فطمهم على فقد حنان، وعطايا الأب الطاهرة من المن..!
ورأيت أمهات منكسرة قلوبهن لعقوق من تحبهم أكثر من نفسها، ومن كانت تعصر جسدها إليهم لبنا سخيا.. ومهدا رضيا..!.
رأيت إنكسار قلب أعمى في دار التخلي عنه «دار المسنين» يرسل لواعج شوقه إلى إبنته ووحيدته أن تأذن له أن يتحسس يدها وشعرها وأن يضمها إليه شغفا وولها وخاتمة دنياه قبل أن يستوفي الموت أيام عمره..! وقد تم عليه ما كان يخشى.. ولم يبلغ قلبه مناه.. وترحل على ظمأ لم يرتو ولم يبرد..!.
رأيت العجز رجالا قلوبهم مثقلة بذل السؤال، ومهانة الطلب وحولهم أبناءهم حاضرون لا يبصروا.. ومبصرون في عمى..!.
ورأيت العيون التي تبصر ولا ترى شيئا.. بعد أن أغلقت أبوابا أمامها.. كانت لها الملاذ الأخير.. وذخيرة لصروف الدهر.. وتقلب أيامه..!.
الضعف طينة الإنسان وصلصاله العجز.. وفضائل نفسه مستعارة..!.. وقوته شكل من أشكال الغرور الذي تبحث عن ستر..!.
زرتٌ مريضا.. خانته عيونه، ففاض الدمع.. وقال بما تبقى من قوته:.. نفسي أكرم علي من أن أمد يدي إلى أحد.. وربي أكرم من أن يرد نفسي وهي مقبلة عليه.. حيث لا ملاذ.. ولا معين.. ولا مغيث غيره..!.
على باب غرفته.. بكيت موته.. بعد ثلاثة أيام.. وحين ذاك رأيت نفسي أقرب لنفسها.. وأقرب لربها.. وأقرب في وعيها وأنسانيتها..!.
وأيقنت أن المنكسرة قلوبهم يجعلونا أكثر كمالا وطهرا كلما أقتربنا منهم.. وسعينا لجبر ما أنكسر في خبايا قلوبهم وأنفسهم..!.
إني أجهل الكثير.. ولكني عرفت أن جبر القلوب المنكسرة هو أول الدائرة وهو خاتمتها لمن يبحث عن نفسه.. وعن ربه..!.
وحين أعود إليه.. سبحانه..! سأقول له أنا صلصال الطين الذي.. جبر القلوب المنكسرة من عبادك وإيمائك..!
أقف بين يديك الآن لتجبر مني ما أنكسر.. وتجمع في ما أنصدع.. وتهب لي من لدنك.. ما لا صدع فيه.. ولا ضعف بعده.. إن الجزاء من جنس العمل..
وهذا كان عملي فيما أعطيتني من أيام عمري..!.