آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رمضانيات ”20“

محمد أحمد التاروتي *

تعتبر البرامج الاخلاقية عامل مؤثر، في ترويض السلوكيات الشاذة، التي تظهر بين فترة واخرى، سواء نتيجة التأثيرات الخارجية، او بسبب النزعات الشيطانية، التي تسيطر على طريقة حياة البعض، الامر الذي يسهم في انقسام المجتمع، واحداث الشقاق جراء الاختلاف، في طريقة التعاطي، مع تلك الظواهر السلوكية الشاذة، بمعنى اخر، فان وضع برامج قادرة امتصاص، تلك السلوكيات الخاطئة، مسلك اجتماعي، نظرا لما تمثله من اهمية بالغة للتعامل بمسؤولية، تجاه المنعطف الخطير.

الاخلاق بما تمثله من قيم مدعومة من العقل، وامكانية كبرى للقبول لدى الجميع، فإنها لاعب قوي في احداث اثر إيجابي، في السلوك الفردي والاجتماعي، بيد ان الاختلاف يكمن في حجم التأثير نتيجة الاستعدادات النفسية، والضغوط الاجتماعية، الامر الذي يفسر سيطرة البرامج الاخلاقية، على كيانات بشرية بشكل سريع، وتواضع الانتشار في مجتمعات اخرى، فالعملية ليست مرتبطة فساد القيم الاخلاقية، بقدر انعدام الارضيّة المثالية، لتقبل مثل تلك الاخلاقيات، ”قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَ?لِكَ يَفْعَلُونَ“.

طريقة عرض البرامج الاخلاقية، والقدرة على الاقناع، واختيار الظروف الزمانية، والمكانية، عوامل أساسية في القبول الاجتماعي، خصوصا وان البرامج الاخلاقية بحاجة الى عناصر، تمتلك جميع الإمكانيات، لإيصالها بطريقة محببة وسهلة، اذ لا يوجد اسلوب واحد لنشر تلك البرامج، فهناك الكثير من الطرق، والأساليب عطفا على البيئة الاجتماعية، ونوعية المتلقي ”نحن معاشر الأنبياء نخاطب الناس على قدر عقولهم“، بمعنى اخر، فان استنساخ التجارب الاخرى، قد يكون سببا في الفشل، وعدم القدرة على خلق الظروف المناسبة، الامر الذي يستدعي دراسة الواقع الاجتماعي، واختيار اللغة المناسبة، وعدم التسرع في حصد النتائج، ”الناس أعداء ما جهلوا“.

التعامل بجدية مع الظرف الزماني، والمكاني، عنصر حيوي في تقبل البرامج الاخلاقية، فالتغاضي عن دراسة التحولات الفكرية، والمتغيرات الاقتصادية، وعدم القراءة الدقيقة، للاتجاهات السائدة، يولد الفشل في النهاية، بمعنى اخر، فان البرامج الاخلاقية ليست وصفة جامدة، وغير قابلة للتغيير، فالمرونة تسهم في التغلب على العراقيل، التي تعترض الطريق على الدوام، خصوصا وان التغيير المستمر في الخطط، يقود لوضع الحلول العملية للمشاكل المصاحبة، لصعوبة تطبيق البرامج، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي.

النجاح النسبي في تبني البرامج الاخلاقية، امر مشجع، وليس عامل احباط، لاسيما وان اكتساب الاخلاق الفاضلة، يقضي على بعض السلوكيات الشاذة، مما يؤسس لخلق كيانات اجتماعية مغاير، وقادر على تطبيق الاخلاقيات، على ارض الواقع، وبالتالي فان وجود بيئة اجتماعية تؤمن بالبرامج الاخلاقية، يساعد على الانتشار بطريقة، او باخرى، خصوصا وان اكتساب العناصر المؤمنة، بالبرامج الاخلاقية يكون بالتدرج، نتيجة خلق القدوات القادرة على التأثير في الطرف الاخر، ”وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ“.

شهر رمضان، من ابزر مظاهر البرامج الاخلاقية، سواء الصعيد الفردي او الاجتماعي، فالصيام مدرسة عملية لترويض النفس على الاخلاق، والسيطرة على الانفعالات غير المنضبطة، لاسيما وان عبادة الصيام، لا تتمحور في الامتناع عن المأكل والمشرب، وانما تهدف لصوم الجوارح عن محارم الله، وبالتالي فان الورع عن المحارم، يدخل في صميم البرامج الاخلاقية، الهادفة لابراز المظهر الملائكي، على الصورة الشيطانية لدى البشر.

كاتب صحفي