كن قرآنيا
روى ابن حجر الهيثمي في صواعقه: أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا على الحوض.
قال رسول الله ﷺ: ان القرآن أربعة أرباع ربع فينا أهل البيت، وربع قصص وأمثال، وربع فرائض وانذار، وربع احكام والله، انزل في علي كرائم القرآن.
هكذا يتحدث الرسول الأكرم ﷺ عن العلاقة بين الإمام علي والقرآن، فهي علافة راسخة وثابتة، وهي علاقة اتحاد وملازمة، وهي "علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ايجاد ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد.
وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله ﷺ، وصنيع القرآن، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم، وكان بدوره قرآناً ناطقاً" [1] . وابتدأت هذه العلاقة منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن، ولهذا يقول الإمام علي : «ما نزلت آية على رسول الله ﷺ إلا أقرأنيها وأملاها عليّ، فأكتبها بخطي. وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليّ فكتبته منذ دعا لي ما دعا» ولذا فهو الأعلم بعلوم القرآن.
ومن هنا ندرك أن الإمام علي أراد منا أن نفهم القرآن فهماً عميقاً، لتصطبغ حياتنا بصبغة القرآن، ولنبني شخصيتنا بناءً قرآنياً عبر الكلمات التالية:
قال تعالى: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ سورة الأعراف آية 203
يقول أمير المؤمنين : «وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلَاوَتَه، فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ». [2]
لنتعلم أن القرآن هو مجموعة من البصائر، والحقائق التي تعطي المؤمن القدرة على رؤية الحقائق مباشرة، ومن دون حجاب.
وأنه كتاب هدى يبيّن الاتجاه السليم في الحياة.
لنتعلم أن «القرآن هو ذلك الهدى والمعلم، والنور والبصيرة، ومنهج التفكير السليم، وهو المعرفة والحقيقة»
لنتعلم أن القرآن هو كتاب السعادة للإنسان والبشرية، وهو كتاب تغيير ذات الإنسان والعالم، لنتعلم أن القرآن هو كتاب الحياة.
وهي مكونة من ثلاث عناصر: اتصال، تفاعل، وتربية:
الاتصال الدائم مع القرآن من خلال القراءة اليومية، قال الإمام علي : «لقاح الإيمان تلاوة القرآن». [3]
قراءة تفاعلية: التي عبر عنها الإمام في خطبة المتقين: «فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ» [4]
هذه القراءة هي التي تتجاوز اللسان، لكي تنفذ إلى القلب فتهزه وتؤثر في اتجاهه. [5]
قراءة تربوية: قراءة المتتبع والمطبق لتعاليم القرآن، والمطبق لها ف «إذا دعاك القرآن إلى خلة جميلة فخذ نفسك بأمثالها» [6] كما قال الإمام علي .
وهكذا: عليك أن تتجاوز قراءة الحروف إلى قراءة المعاني والبصائر، عليك أن تقرأ القرآن فكراً حياً، قراءة الانفتاح والغوص في خزائن آيات القرآن، عليك أن تفتح تلك الخزائن بعقلك من خلال التفكر في المعاني العميقة.
قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ «محمّد/24».
قال الإمام علي : «تدبروا آيات القرآن واعتبروا به فإنه أبلغ العبر». [7]
التدبر في آيات القرآن الكريم يعني - أساساً - الانفتاح على حقيقة القرآن، بعيداً عن المسبقات الذهنية والحجب والانتماءات والارتباطات.
وهذا يعني وجوب أن يجلس الإنسان أمام كتاب الله المجيد جلسة التلميذ أمام أستاذه؛ الأستاذ الذي يعلم ويربي ويزكي. [8]
وهذه القراءة تتطلب منا دراسة منهجية التدبر، عبر حضور البرامج وقراءة الكتب المتخصصة، ومتابعة حلقات التفسير والتدبر، والاستفادة منها.
قال أمير المؤمنين : «البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيئ لأهل السماء كما تضيئ الكواكب لأهل الارض وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عز وجل فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين».
إن من فوائد قراءة القرآن في البيت أنه «البيت» يصبح طاهراً، نقياً، نورانياً، مباركاً، يشع طاقة إيجابية، وهذا ينعكس على أهله، فتراهم يعيشون حالة من الطمأنينة، والسكينة، بل له انعكاساته على سائر الشئون الحياتية.
وهكذا كانت وصية الإمام علي الأخيرة: الله الله في القرآن.. فلا يسبقنّكم إلى العمل به غيركم. [9]
فكونوا مع القرآن تلاوة، وفكراً، وعملا، وبرامج قرآنية حيوية، ومشاريع قرآنية تنموية معاصرة لمعالجة قضايا الإنسان والأمة.