آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رمضانيات ”17“

محمد أحمد التاروتي *

التراحم والتعاطف صفة اخلاقية، تدعمها الفطرة الانسانية السليمة، فضلا عن كونها احدى القيم الاخلاقية الدينية، فالتراحم لا يقتصر على مساحة جغرافية محددة، حيث تتوزع على كوكب الارض، بيد ان الفارق يمكن في اتساع او محدودية، إشاعة مثل هذه القيمة الانسانية، بحيث تشهد انتشارا واسعا في مجتمعات بشرية، وتتقلص في كيانات إنسانية اخرى، اذ تتكشف من خلال انشاء الجمعيات الخيرية، والمبادرات التطوعية، الساعية لتقليص فجوة الفقر، وانتشال شرائح واسعة من طبقة الفقراء، باتجاه تحسين الأوضاع الاقتصادية، ”تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ“.

الرحمة مرتبطة ببقاء الفطرة السليمة، وعدم تلويثها بالسلوكيات الفاسدة، فالمرء يتحول الى وحش كاسر، يأكل الضعيف قبل القوي، بمجرد تراكم الاعمال الاجرامية، على السلوك اليومي، ”ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً“، بمعنى اخر، فان سيطرة القيم الاخلاقية الفاضلة، على السلوك الحياتي، يشكل عنصرا أساسيا في تحريك العاطفة، باتجاه تقديم العون والمساعدة، بحيث يتمظهر في المبادرة نحو خلق الظروف الاجتماعية الملائمة، لأحداث تغييرات جوهرية، في البيئات الفقيرة بالكيان الواحد، انطلاقا من الاحساس بضرورة إشاعة الرحمة، وطرد التعسف والظلم، الامر الذي يسهم في احداث كيان اكثر تماسكا، ”إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ“.

التراحم سلوك مادي في الغالب، واحيانا يترجم بشكل معنوي، فالظروف الاجتماعية تحدد نوعية المساعدة المقدمة، بيد ان التعاضد بجميع اشكاله، يكشف الاحساس المرهف والمسؤول، لدى الاطراف الاخر، ”ابتسامتك في وجه اخيك المؤمن صدقة“ و”إماطة الاذى من الطريق صدقة“، بمعنى اخر، فان الدعم المالي يكون ضروريا، في ظروف قاهرة، تكابدها بعض الكيانات البشرية، سواء نتيجة الفقر المدقع، او جراء التعرض للكوارث الطبيعية، بينما تتطلب بعض الأوقات الدعم المعنوي، لأحداث تغييرات جذرية، في نفوس بعض البيئات الاجتماعية، لاسيما وان الدعم النفسي يلعب دورا كبيرا في التحفيز، مما ينعكس على صورة انطلاقة قوية، باتجاه تحطيم الأغلال المعنوية التي تكبل البعض.

التراحم سلوك فردي في الغالب، يتحول الى ظاهرة جمعية في احيان اخرى، فالمرء بما يمتلك قدرات وطاقات قادرة، على خلق كيانات للاهتمام بالآخرين، خصوصا وان تقديم المساعدة ليس محصورا في إطار محدد، فالاختلاف مرتبط باختلاف المجتمعات البشرية، ومتطلبات كل مجتمع عن الاخر، الامر الذي يفرض القراءة الدقيقة، للتعرف على الاحتياجات المناسبة، والابتعاد قدر الإمكان عن التكرار، خصوصا وان الاستنساخ يقود الى التشبع والتخمة، مما يفقد المبادرة قيمتها الحقيقية، ويحرم شرائح بشرية من الاستفادة، من تلك الموارد المالية، او المحفزات النفسية، بمعنى اخر، فان الرحمة لا تعني العمل بعشوائية، بعيدا عن التخطيط المسبق، فالتراحم لا يترجم على صورة تقديم المأكل والمشرب فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل جميع الاحتياجات الحياتية، منذ الصغر، وحتى الدخول في معترك الحياة العملية، فكما ان الطعام ضرورة للحياة، فان بناء المستقبل امر مطلوب، لذا فان التحرك لتسخير الإمكانيات، لتعبيد الطريق امام الشرائح المعدومة، للمساهمة في البناء غاية في الأهمية.

كاتب صحفي