آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رمضانيات ”16“

محمد أحمد التاروتي *

عملية اعادة البرمجة الذاتية، تتطلب وجود إرادة صادقة، على التحول للجانب المشرق، والابتعاد عن الطريق المظلم، فالمرء يدرك عيوبه اكثر من غيره، ويعرف السلوكيات غير المستقيمة التي يمارسها يوميا، وبالتالي فان إرادة تنظيف الذات من الشوائب، تبدأ من الداخل اولا، قبل الانطلاق باتجاه الخارج، بمعنى اخر، فان ترجمة السلوك الحسن مرتبط بوجود عزيمة، على احداث الفرق في المسيرة الحياتية، ”بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ“.

التغيير في الجوهر بحاجة الى عوامل خارجة، تسهم في تحفيز الذات، على مواصلة المشوار حتى النهاية، فالانسان يملك الارادة والتصميم، لتحطيم جميع الحواجز المادية والمعنوية، التي تعترض الطريق، بيد ان المحيط الخارجي يلعب دورا محوريا في الدفع نحو الامام، اذ تشكل الاسر دورا مؤثرا، في زرع بذرة التحول، بالاتجاه الإيجابي، كما يعلب الأصدقاء دورا أساسيا، في مسيرة التغيير الجوهري، واحيانا يؤثر المجتمع كثيرا، في قهر السلوك السلبي، لاسيما وان الاجواء الايجابية السائدة، تؤثر على السلوك الفردي، مما يشكل احد العوامل في ترك بعض السلوكيات الخاطئة.

السلوك السلبي يؤثر على مجمع حياة الفرد، بحيث تقود الى ارتكاب بعض الأخطاء الفادحة، مما يؤدي الى اتخاذ مواقف سلبية من قبل المجتمع، نظرا لما تمثله السلوكيات الخاطئة، من خروج عن الاخلاق، والآداب العامة، الامر الذي يتطلب ادخال اصحاب السلوكيات في دورات تأهيلية، لإعادة البرمجة مجددا، من اجل طرد الاعمال السيئة بشكل نهائي، مما يعيد التوازن النفسي بين السلوك الداخلي، والممارسات الخارجية، خصوصا وان اختلال التوازن، يقود لسيطرة الشر على اعمال الخير، بحيث تظهر على شكل سلوكيات اجرامية او عدائية، تجاه المحيط القريب والبعيد.

اختيار الصديق المناسب، يقود لاختيار الطريق الصائب، فالصديق الصالح يحرص على إشاعة السلوك الإيجابي، ”لا تسأل عن المرء واسأل عن صديقه“، وبالتالي فان الصديق الصدوق لا يجد غضاضة، في الوقوف امام السلوك الخاطئة، فهو حريص على اخماد بذرة الشر، في نفوس المحيط القريب، الامر الذي يشكل المفارقة بين اصدقاء السوء، والأصدقاء الصالحون، فالصنف الاول يقود للهاوية، ونشر السلوك الانحطاطي، في المحيط القريب اولا، والمجتمع ثانيا، بخلاف الصنف الثاني الذي يتحرك لإخراج العناصر الصالحة، لنشر الخير في المجتمع، خصوصا وان تخريج الفرد الصالح، يعود على المجتمع بالخير الكثير.

شهر رمضان يحمل الخير الكثير، وقادر على اعادة برمجة الكثير، من السلوكيات السلبية، فالأجواء الايجابية التي ينشرها الشهر الفضيل، لا تقتصر إشعاعاتها على الفرد المسلم، بل تعم المجتمع بشكل عام، خصوصا وان الكثير من المبادرات الخيرية، تظهر منذ أطلاله الشهر الكريم، مما يكرس مثل هذه السلوكيات الايجابية في النفوس، بمعنى اخر، فان طرد السلوكيات السلبية عملية تدريجية، ولا تكون دفعة واحدة، لاسيما وان هناك صعوبة لدى البعض في التحول الكامل، مما يستدعي سياسة التدرج، واتباع الخطوات الواحدة تلو الاخرى، وبالتالي فان شهر رمضان يمثل فرصة للدخول في تحدي حقيقي، مع الذات لإعادة صياغة الذات، طوال ايام الصيام، بحيث تترجم على شكل سلوكيات مغايرة، مع حلول عيد الفطر المبارك.

كاتب صحفي