رمضانيات ”14“
إشاعة الفرح جزء لا يتجزأ من الطبيعية البشرية، فإدخال البهجة والسرور في النفس، تعكس احيانا كثيرة صفاء الروح، والحرص على طرد كل ما يعكر الحياة، والمتمثّلة في تكريس البؤس والحزن في النفوس، ”أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربةً؛ نفّس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة“، وبالتالي فان الاتجاهات الداعية لغرس الحزن، في المحيط الاجتماعي، تنطلق احيانا من ثقافة ذات ابعاد قاصرة، في التعاطي مع الفلسفة القائلة، بضرورة الانسجام التام مع حالات الفرح المختلفة، نظرا لما تمثله مثل هذه المناسبات من أهمية، في احداث اثر كبير في النفوس.
خلق الاجواء المناسبة للتعبير عن الفرح، والتحرك لتوسيع الرقعة الجغرافية للسرور في المجتمع، يساعد على اخراج بعض الحالات الانعزالية، والقضاء على النظرة المأسوية، التي تؤطر حياة بعض الشرائح الاجتماعية، بحيث تقود الى وضع الامور في النصاب الصحيح، مما يؤدي الى إيجاد حالات من التوازن، عوضا من ترجيح كفة الحزن على الفرح، وقتل التعبير عن السرور، فالأعياد الاسلامية تعبير صادق على حرص الشارع، على السماح للمسلم بإظهار البهجة في النفوس، عبر الكثير من الممارسات، التي تتزامن مع الأعياد الاسلامية.
بطبيعة الحال، فان الدعوة الى إظهار البهجة والسرور، لا تعني إطلاق العنان للخروج عن الاعتدال، وتجاوز الخطوط الحمراء، فالمرء مطالب بإظهار الفرح عبر الكثير من الممارسات، سواء عبر لَبْس الجديد، او تركيب الزينة في المنازل، والشوارع، وغيرها من الممارسات المتعددة، لاسيما وان محاولة التعدي على الذوق العام، واختراع اشكال بعيدة عن الترفيه البرئ، يسهم في ارتفاع الصوت المعارض، لحالات السرور والفرح المشروع.
يحاول اعداء الفرح، كسب اكبر شريحة من الأصوات، لإسكات الأصوات الداعية، لتكريس البهجة والسرور في المجتمع، خصوصا وان الصوت المعارض يخشى البوح بافكار، مع قلة الناصر، مما يجعله يتقبل الواقع المعاش على مضض، ”ابتلاع الموسي“، بيد ان الأصوات الخافتة سرعان ما تملأ الفضاء، بمجرد استمالة بعض الأصوات المناصرة، او امتلاك منابر إعلامية قادرة، على احداث بعض الضجيج، في البيئة الاجتماعية.
استمالة الأصوات المعارضة، لثقافة الفرح والسرور، ليست مستحيلة، ولكنها في بعض الاحيان صعبة، فالعملية تتطلب الكثير من الصبر، ومحاولة التعاطي بنوع من التروي والاقناع، خصوصا وان المنطلقات التي تستند عليها معارضة الفرح، بعضها دينية، والبعض الاخر مرتبطة بالثقافة الذاتية، القائمة على إشاعة الحزن، وطرد الفرح بجميع اشكاله، وبالتالي فان السعي لاستقطاب هذه الأصوات احيانا، يكون بمثابة الطحن في الهواء، واحيانا اخرى يأتي بنتائج إيجابية، بحيث تترجم على شكل السكوت، وعدم رفع الصوت عاليا، الامر الذي يشكل انتصارا ملموسا، في تغليب العقل على الاهواء الذاتية، التي تحرك البعض، فيما يرضى بالية التعاطي مع الفرح، والسرور.
شهر رمضان احدى المناسبات الدينية، التي تكتسي ابعادا روحية، فدخول الشهر الفضيل، ينعكس على شكل هالة من الفرح العامرة، التي تعم جميع المسلمين، بحيث لا تقتصر على الكبار، بما يحمله الشهر الكريم من رحمة ومغفرة، بل يشمل الصغار الذين ينتظرون بفارغ الصبر العيد للفرح، ولَبْس الجديد، مما يسهم في ادخال الفرحة في جميع منازل المسلمين، في مختلف اصقاع العالم.