آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رمضانيات ”13“

محمد أحمد التاروتي *

مساعدة الاخرين مرتبطة، بمجموعة القيم الاخلاقية، التي تحث المرء على مد يد العون، في الضراء والسراء، بيد ان تلك الاخلاقيات تتكشف في الازمات، التي يكابدها البعض في المسيرة الحياتية، مما يضطره لإراقة ماء الوجه، في سبيل الحصول على الدعم، من القريب او الصديق، واحيانا من البعيد، خصوصا وان نكبات الدهر تهجم على الانسان دون سابق إنذار، فالغني يتحول بين ليلة وضحاها الى فقير، والسليم يصبح سقيما، مما يستدعي الاستعانة بالاخر، للوقوف مع نظيره، في الاوقات الصعبة.

تكريس اخلاقيات المساعدة، لدى الفرد والمجتمع، مرتبط بالنظرة الى الاثار المترتبة، على انقاذ الاخر من الغرق، ومحاولة انتشاله من المستنقع، الذي وجده نفسه فيه، سواء نتيجه اعماله غير السوية، او جراء الكوارث الطبيعية؟ التي تصيب بعض المجتمعات الانسانية، فاللامبالاة، وعدم الاحساس بمعاناة الاخر، وطغيان منطق الحياة الفردية، عوامل تسهم في تفكك المجتمع، وتقضي على بذرة المساعدة في النفوس، مما ينعكس على تزايد حالات البؤس، والضياع في الكيان الاجتماعي الواحد، ”حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم“، ”ومَن يسّر على مؤمن وهو مُعْسِر، يسّر الله له حوائج الدنيا والآخرة“.

زرع تقديم العون في الثقافة الاجتماعية، يدعم الحركة التنموية، ويقضي على الحالات الفردية، مما يقود الى انقاذ العديد من الشرائح المحتاجة، عبر وضع برامج قادرة على خلق الظروف المناسبة، لرفع المستوى الاقتصادي، واحيانا الثقافي، ”الفقر يخسر الفطن“، بمعنى اخر، فان تشكيل كيان متماسك، قادر على مواجهة الحياة بعزيمة واصرار، مرتبط بسد الثغرات السلبية، والتي تقود الى احداث فتن كبرى، سواء على الصعيد المادي، او الثقافي، فالتفاوت الطبقي او الاختلاف الثقافي امر طبيعي، وغير مستهجن على الاطلاق، بيد ان التحرك لتقليص تلك الفجوات، امر مطلوب لتحجيم البون الشاسع، بين الفقراء والأغنياء، وبين النخب الثقافية والجماهير، وبالتالي فان انتشار ثقافة المساعدة، يخلق واقعا جديدا ومغايرا، بحيث يترجم على شكل اشاعة الوئام، بين الطبقات الاجتماعية، جراء شعور الاخر بمعاناة بني جلده.

تحرك المرء لرسم مستقبله، امر مطلوب ومحمود، خصوصا وان الاعتماد على الذات، يشعر الانسان بعدم وجود أطراف، لها فضل عليه، بيد ان المرء لا يجد مناصا، من اللجوء للاخر في أوقات الازمات، وبالتالي فان تقديم العون في بعض الاحيان، ليس حسنة بقدر ما يكون واجبا، تفرض القيم الدينية والاخلاقيات الانسانية، ”لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ?“، بمعنى، فان السعي لبناء الذات لا يتناقض مع تبادل المصالح والاحتياجات بين البشر، باعتباره من ضروريات الحياة الانسانية المشتركة.

شهر رمضان يشكل منعطفا اخلاقيا، لتكريس مبدأ المساعدة في النفوس، حيث يلاحظ تزايد حالات المساعدة للفئات الفقيرة وكذلك التحرك الجاد لانتشال بعض الشرائح الاجتماعية، من واقع مر لآخر اكثر رحابة، مما ينعكس على إيجاد الارضيّة المناسبة، لأحداث تحولات واضحة في بنيان المجتمع، وتكريس الشعور الإيجابي، تجاه المصاعب الحياتية، التي فرضت على فئات اجتماعية، العيش ضمن مستوى اجتماعي، لا يقارن مع المحيط المعاش، بمعنى اخر، فان التعامل مع قيم الصيام بشكل مختلف، يقود الى تحريك النفوس المريضة والانعزالية، للنزول من البروج العالية والتواضع، بهدف ترجمة بعض الاخلاقيات الدينية الى واقع ملموس، وعدم التهرب من المسؤوليات الاجتماعية، وتقديم المعونة للفئات المعوزة.

كاتب صحفي